للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَأْثِيرِ الرَّفْضِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ الْحَاصِلَةِ عَلَى تَقْدِيرِ رَفْضِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.

(قُلْتُ) كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْتَضِي أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَأَنَّهُ جَارٍ فِي الرَّفْضِ قَبْلَ كَمَالِ الْعِبَادَةِ وَبَعْدَ كَمَالِهَا، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي إدْرَاكِ النِّيَّةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالسِّتِّينَ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ سَوَاءٌ كَانَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ بِإِطْلَاقٍ لَا يُرْتَفَضُ وَلَوْ رَفَضَهُ فِي أَثْنَائِهِ، وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ قَالَ سَنَدٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ: مَذْهَبُ الْكَافَّةِ أَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِ إحْرَامِهِ، وَقَالَ دَاوُد: يُرْتَفَضُ إحْرَامُهُ وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَنْعَدِمُ بِمَا يُضَادُّهُ حَتَّى لَوْ وَطِئَ بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ، وَغَايَةُ رَفْضِ الْعِبَادَةِ أَنْ يُضَادَّهَا فَمَا لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُفْسِدُهُ لَا يَنْتَفِي مَعَ مَا يُضَادُّهُ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إذَا رُفِضَ إحْرَامُهُ لِغَيْرِ شَيْءٍ فَهُوَ بَاقٍ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَئِمَّةِ خِلَافًا لِدَاوُدَ.

وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَا غَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ الرَّفْضُ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهِ فَأَحْرَى بَعْدَ كَمَالِهِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ فَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِيهِمَا سَوَاءٌ وَقَعَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَائِهِمَا أَوْ بَعْدَ كَمَالِهِمَا، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَفِي وُجُوبِ إعَادَتِهَا لِرَفْضِهَا بَعْدَ تَمَامِهَا نَقْلًا اللَّخْمِيِّ انْتَهَى. وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.

فَالْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْبُطْلَانُ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النُّكَتِ وَلَمْ يَحْكِ غَيْرَهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ فَتَقَدَّمَ أَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ النُّكَتِ أَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّهُ اعْتَمَدَهُ هُنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ، وَكَلَامُ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَابْنِ جَمَاعَةَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرْتَفَضُ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُمْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الرَّفْضُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّ الرَّفْضَ يَرْجِعُ إلَى التَّقْدِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ يَسْتَحِيلُ رَفْضُهُ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَلِأَنَّهُ بِنَفْسِ الْفَرَاغِ مِنْ الْفِعْلِ سَقَطَ التَّكْلِيفُ بِهِ، وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ التَّكْلِيفَ يَرْجِعُ بَعْدَ سُقُوطِهِ لِأَجْلِ الرَّفْضِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ انْتَهَى. وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعِبَادَةَ كُلَّهَا الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْإِحْرَامَ لَا يُرْتَفَضُ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ كَمَالِهِ، وَأَنَّ الْجَمِيعَ يُرْتَفَضُ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ إلَّا الْإِحْرَامَ، وَبِذَلِكَ صَرَّحَ ابْنُ جَمَاعَةَ التُّونُسِيُّ فِي فَرْضِ الْعَيْنِ فَقَالَ: وَرَفْضُ الْوُضُوءِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ لَا يُرْتَفَضُ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يُتِمُّهُ بِنِيَّةِ الْوُجُوبِ أَوْ يَقْطَعُ النِّيَّةَ عَنْهُ بَطَلَتْ كُلُّهَا إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّهُمَا لَا يُرْتَفَضَانِ سَوَاءٌ رَفَضَهُمَا فِي أَثْنَائِهِمَا أَوْ بَعْدَ كَمَالِهِمَا انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْغُسْلِ: وَاخْتُلِفَ إذَا رَفَضَ النِّيَّةَ بَعْدَ الْوُضُوءِ عَلَى قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ، وَالْفَتْوَى بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مَا حَصَلَ اسْتَحَالَ رَفْعُهُ وَأَمَّا الرَّفْضُ قَبْلَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى اعْتِبَارِهِ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي النُّكَتِ فِي بَابِ الصَّوْمِ: لَا يُؤَثِّرُ رَفْضُهُ إذَا أَكْمَلَ وُضُوءَهُ بِالْقُرْبِ، وَهُوَ مِنْ غَرَائِبِ أَنْقَالِهِ، وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ فِي كِتَابِ الْأُمْنِيَّةِ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ مِنْ أَنَّ الرَّفْضَ يُؤَثِّرُ وَلَوْ بَعْدَ الْكَمَالِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي إبْطَالَ جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَبَحَثَ فِيهِ وَأَطَالَ خُصُوصًا فِي الْفُرُوقِ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: إنَّهُ سُؤَالٌ حَسَنٌ لَمْ أَجِدْ مَا يَقْتَضِي انْدِفَاعَهُ فَالْأَحْسَنُ الِاعْتِرَافُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَكَلَامُ ابْنِ نَاجِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي رَفْضِ الْوُضُوءِ بَعْدَ إكْمَالِهِ وَأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُرْتَفَضُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُرْتَفَضُ بِلَا خِلَافٍ وَنَصُّهُ رَفْضُ الطَّهَارَةِ يَنْقُضُهَا فِي رِوَايَةِ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ: مَنْ تَصَنَّعَ لِنَوْمٍ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>