للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ رُشْدٍ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفِضَّةَ، وَنَصُّهُ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُحَلِّيَ وَلَدَهُ الذَّهَبَ وَلَا يُلْبِسَهُ الْحَرِيرَ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَأْثَمْ، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ لِمَا جَاءَ مِنْ تَحْرِيمِهِ عَلَى الذُّكُورِ أُجِرَ، وَأَمَّا إنْ سَقَاهُ خَمْرًا، أَوْ أَطْعَمَهُ خِنْزِيرًا فَإِنَّهُ آثِمٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ لَا يَحِلُّ تَمَلُّكُهُمَا بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَفِي كَوْنِ حُلِيِّ الصَّبِيِّ كَصَبِيَّةٍ فَلَا يُزَكِّي أَوْ كَرَجُلٍ فَيُزَكِّي قَوْلَانِ اللَّخْمِيُّ مُحْتَجًّا بِقَوْلِهَا: " لَا بَأْسَ أَنْ يُحْرِمُوا وَعَلَيْهِمْ الْأَسْوِرَةُ "، وَابْنُ شَعْبَانَ وَلَمْ يَحْكِ الشَّيْخُ غَيْرَهُ انْتَهَى، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي خِطَابِهِمَا بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَشُهِرَ فِي الشَّامِلِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْحُلِيَّ الْمُحَرَّمَ لَا حِلْيَةَ صَبِيٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقَالَ وَحُلِيُّ الصِّبْيَانِ مِنْ الْمُبَاحِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَتَبِعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَحَمَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْكَرَاهَةَ فِي قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ فَقَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الْكَرَاهَةُ مَعْنَاهَا التَّحْرِيمُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَكْرَهُ لَهُمْ الْحَرِيرَ كَمَا أَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ حَرَامٌ لِلرِّجَالِ عِنْده وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ الْخَلَاخِلَ وَالْأَسْوِرَةَ لَهُمْ مِنْ الْفِضَّةِ وَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ كَالذَّهَبِ إلَّا الْخَاتَمَ وَحْدَهُ وَآلَةَ الْحَرْبِ انْتَهَى.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ التُّونُسِيُّ ظَاهِرُ جَوَابِهِ أَوَّلًا جَوَازُهُ فِي الْجَمِيعِ إذَا لَمْ يَفْصِلْ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً وَالْأَشْبَهُ مَنْعُهُمْ مِنْ كُلِّ مَا يُمْنَعُ مِنْهُ الْكَبِيرُ؛ لِأَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ مُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ وَيَأْتِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ جَوَازِ إلْبَاسِهِمْ الْحَرِيرَ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى مَنْعِهِمْ مِنْهُ فِي الْكِتَابِ انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ: وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ أَنَّ تَحْلِيَةَ الصَّغِيرِ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَلَوْ كَانَ لُبْسُهَا مُبَاحًا لَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَيُعَضِّدُهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ: عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأُحِلَّ لِإِنَاثِهِمْ» ، وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَحَلَّى ذَهَبًا أَوْ حَلَّى وَلَدَهُ مِثْلَ خَرْبَصَيصَةٍ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» وَالْخَرْبَصِيصَةُ هِيَ الَّتِي تَتَرَاءَى فِي الرَّمَلِ لَهَا بَصِيصٌ كَأَنَّهَا عَيْنُ جَرَادَةٍ انْتَهَى.

فَفِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ تَرْجِيحٌ لِقَوْلِ ابْنِ شَعْبَانَ، وَلِذَا اعْتَمَدَهُ وَأَطْلَقَ هُنَا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الشُّيُوخِ وَشَهَرَهُ فِي الشَّامِلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جِهَةِ نُقُولِ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ ابْنِ شَعْبَانَ أَظْهَرُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَالْمَعْنَى وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ مُحَلًّى هُوَ مَا جُعِلَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُحَلَّى مِنْ الثِّيَابِ كَاَلَّذِي جُعِلَ لَهُ أَزْرَارٌ مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، أَوْ نُسِجَ بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى. وَمِثْلُهُ مَا جُعِلَتْ لَهُ حَبْكَةٌ مِنْهُمَا وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْحَرَامُ مَا عَدَاهُ مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ سَوَاءٌ كَانَ الْحُلِيُّ مُتَّصِلًا بِثِيَابِهِمْ، أَوْ مُنْفَصِلًا عَنْهَا، وَكَذَلِكَ مَا يُلْبَسُ فِي الْيَدِ مِنْ غَيْرِ الْخَاتَمِ وَفِي الْأُذُنِ، وَإِذَا حُرِّمَ الْمُحَلَّى فَأَحْرَى الْحُلِيُّ نَفْسُهُ مِنْ أَسَاوِرَ وَخَلَاخِلَ وَنَحْوِهَا، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ وَلَوْ مِنْطَقَةً بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ نَوْعٌ مِنْ الْحِرْمِ الَّذِي يُشَدُّ بِهَا الْوَسَطُ.

وَأَشَارَ بِلَوْ إلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْقَوْلِ الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا، وَالْجَوَازُ إلَّا فِي السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالسَّكَاكِينِ وَالْمَهَامِيزِ، وَالْجَوَازُ فِي هَذِهِ وَفِيمَا يُتَّقَى بِهِ.

ص (إلَّا الْمُصْحَفَ)

ش: أَيْ فَيَجُوزُ تَحْلِيَتُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي جِلْدِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ خَارِجٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْأَحْزَابِ وَالْأَعْشَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الْجُزُولِيُّ يَعْنِي فِي أَعْلَاهُ وَلَا يُكْتَبُ بِهِ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ الْأَعْشَارَ وَلَا الْأَحْزَابَ وَلَا الْأَخْمَاسَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَكَذَلِكَ بِالْحُمْرَةِ وَقَالَ فِي رَسْمِ سَلْعَةَ سَمَّاهَا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ تَعْشِيرِ الْمُصْحَفِ فَقَالَ يُعَشِّرُهُ بِالسَّوَادِ وَأَكْرَهُ الْحُمْرَةَ وَذَكَرَ تَزْيِينَ الْمَصَاحِفِ بِالْخَوَاتِمِ فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً فَقِيلَ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>