للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْحِ الْمُعْتَمَدِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي مُخَاصَمَةٍ جَازَ ذَلِكَ كَانَ خَصْمُهُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا رَضِيَ أَوْ لَمْ يَرْضَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْخَصْمِ وَالْوَكِيلِ عَدَاوَةٌ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ عَنْهُ إلَّا بِرِضَاهُ انْتَهَى. فَصَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ تَوْكِيلِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ حَقِّهِ، فَإِذَا رَضِيَ الْعَدُوُّ بِذَلِكَ جَازَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ الْعَدُوُّ؛ لِأَنَّ مَنْ أَذِنَ لِشَخْصٍ فِي إذَايَةٍ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي ذَلِكَ غَيْرِ مَا لِصَاحِبِ الْإِرْشَاد فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَتَوْكِيلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَلِيقَ بِهِ أَوْ يُكْثِرَ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ يَمْتَنِعُ تَوْكِيلُ الْوَكِيلِ إلَّا إذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمُوَكَّلُ فِيهِ لَا يَلِيقُ بِالْوَكِيلِ تَعَاطِيهِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَتَعَاطَاهُ أَوْ يَكُونَ الْمُوَكَّلُ فِيهِ كَثِيرًا يَعْلَمُ بِقَرِينَةِ الْعَادَةِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُعِينُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهَذِهِ الْقَرِينَةُ تُسَوِّغُ لَهُ الِاسْتِعَانَةَ بِوَكِيلٍ وَلَا تُسَوِّغُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ وَكِيلًا أَوْ وُكَلَاءَ يَنْظُرُونَ فِيمَا كَانَ يَنْظُرُ فِيهِ وَالْقَرِينَةُ الْأُولَى تُسَوِّغُ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَيَكُونُ لِلْوَكِيلِ الْأَعْلَى النَّظَرُ عَلَى مَنْ تَحْتَهُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي الْوَكِيلِ الْمَخْصُوصِ أَمَّا الْمُفَوَّضُ فَلَهُ التَّوْكِيلُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْوَكِيلُ بِالتَّعْيِينِ لَا يُوَكِّلُ إلَّا فِيمَا لَا يَلِيقُ بِهِ وَلَا يَسْتَقِلُّ لِكَثْرَتِهِ.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: اُحْتُرِزَ بِالتَّعْيِينِ مِنْ الْمُفَوَّضِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى الْمَعْرُوفِ وَحَكَى فِي الْبَيَانِ قَوْلًا إنَّهُ لَا يُوَكِّلُ قَالَ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَحَلَّهُ مَحَلَّ نَفْسِهِ فَكَانَ كَالْوَصِيِّ انْتَهَى. وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ فِي نَوَازِلِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ وَنَصُّهُ: لَا اخْتِلَافَ أَحْفَظُهُ فِي أَنَّ الْوَكِيلَ عَلَى شَيْءٍ مَخْصُوصٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا الْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، فَلَا أَحْفَظُ فِي أَنَّهُ هَلْ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ أَوْ لَا؟ قَوْلًا مَنْصُوصًا لِأَحَدِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَكَانَ الشُّيُوخُ الْمُتَأَخِّرُونَ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا.

وَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ قَالُوا لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ بِلَا خِلَافٍ، وَيُوَكِّلَ، الْوَكِيلُ الْمَخْصُوصُ وَمُقَدِّمُ الْقَاضِي لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا بِلَا خِلَافٍ وَالْوَكِيلُ الْمُفَوَّضُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فَذَكَرَ كَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ، وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ لَا يَلِيقَ بِهِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا شَكَّ فِيهِ زَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الشُّيُوخِ إذَا عَلِمَ الْمُوَكِّلُ بِجَلَالَةِ الْوَكِيلِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا الْتِفَاتَ إلَى عِلْمِهِ وَقَالَ التُّونُسِيُّ: اُنْظُرْ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ رَبُّ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مَشْهُورًا بِأَنَّهُ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ فَالْأَشْبَهُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ فَرِضَاهُ بِالْوَكَالَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُتَوَلِّي حَتَّى يَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ عَلَى مَا وُكِّلَ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يُوصِيَ بِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ الْمُوَكِّلُ فَإِنْ فَعَلَ وَتَلِفَ الْمَالُ ضَمِنَهُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُوَكِّلُ وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ.

وَقَالَ أَشْهَبُ إذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَلَا ضَمَانَ انْتَهَى. وَمَشَى فِي الْبَيَانِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ التُّونُسِيِّ وَنَصُّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَاخْتُلِفَ إنْ فَعَلَ هَلْ يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا يَلِي مِثْلَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَشْهُورِ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَلِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْوَكَالَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَوَلِّي حَتَّى يَعْلَمَ رَبُّ الْمَالِ أَنَّهُ لَا يَتَوَلَّى وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ، وَأَمَّا الْمَشْهُورُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>