للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ الْغَرَرِ اهـ.

(قُلْت) : نَحْوُهُ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ: فِيهَا الرُّكْنُ الثَّانِي الْعَاقِدُ وَشَرْطُهُ التَّمْيِيزُ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ إذَا كَانَ سُكْرُهُ مُتَحَقِّقًا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا عَقَلَ حِينَ فَعَلَ ثُمَّ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَنْعَقِدُ بَيْعُ السَّكْرَانِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ اهـ.

وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ، وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: فِي الْمَذْهَبِ إنَّ بَيْعَ السَّكْرَانِ الْمُحَقَّقِ السُّكْرِ لَا يَنْعَقِدُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يَنْعَقِدُ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَصَاحِبُ الْإِكْمَالِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ عُقُودُهُ، وَتَأَوَّلَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلَ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي نِكَاحِهِ لَا أَرَاهُ جَائِزًا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَا أَرَاهُ لَازِمًا أَنَّهُ فَاسِدٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لَا يُقَالُ فِي بَيْعِ السَّكْرَانِ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ، وَإِنَّمَا يُقَالُ إنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ.

كَلَامُ التَّوْضِيحِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ مُسْتَثْنًى مِنْ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ أَيْ فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ تَمْيِيزِهِ بِسُكْرٍ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَفِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ تَرَدُّدٌ أَيْ طَرِيقَانِ فَطَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ وَطَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَصَاحِبِ الْإِكْمَالِ أَنَّهُ مُنْعَقِدٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَهُوَ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ ذَكَرَ فِيهَا الْكَلَامَ الْأَوَّلَ، وَالثَّانِيَ، وَالثَّالِثَ إلَّا أَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا كُلَّهُ فِي السَّكْرَانِ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي السَّكْرَانِ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ السَّكْرَانُ قِسْمَانِ سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ النَّاسِ إلَّا فِيمَا ذَهَبَ وَقْتُهُ مِنْ الصَّلَوَات فَقِيلَ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ أَدْخَلَ السُّكْرَ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا، وَالثَّانِي السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فَلَا يُحَدُّ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ، وَلَا طَلَاقٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّالِثُ تَلْزَمُهُ الْأَفْعَالُ، وَلَا تَلْزَمُهُ الْأَقْوَالُ فَيُقْتَلُ بِمَنْ قَتَلَ وَيُحَدُّ فِي الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَلَا يُحَدُّ فِي الْقَذْفِ، وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالرَّابِعُ تَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ، وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ، وَالْحُدُودُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ، وَالْعُقُودُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ مِنْ الْإِقْرَارَاتِ، وَالْعُقُودِ إذَا لَمْ يَلْزَمْ السَّفِيهَ وَالصَّبِيَّ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِمَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَ السَّكْرَانَ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ بِالسُّكْرِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّهِ يَلْزَمُهُ، وَلَا يَسْقُطُ قِيَاسًا عَلَى مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ تَلْزَمُهُ، وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ فِي نِكَاحِهِ لَا أَرَاهُ جَائِزًا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ إنَّمَا مَعْنَاهُ لَا أَرَاهُ جَائِزًا عَلَيْهِ، وَلَا لَازِمًا لَهُ إنْ أَرَادَ الرُّجُوعَ فِيهِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَا عَقَدَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَجْلِ سُكْرِهِ، وَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ لَهُ خَصْمُهُ بِمَا ادَّعَاهُ.

وَأَمَّا إنْ أَنْكَرَهُ فَلَا يُصَدَّقُ، وَيَلْزَمُهُ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ سَكْرَانَ لَا يَعْقِلُ، وَاخْتُلِفَ إنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا رَأَتْ مِنْهُ اخْتِلَاطًا وَلَمْ تَثْبُتْ الشَّهَادَةُ بِسُكْرِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَلَا يَلْزَمُهُ النِّكَاحُ، وَرَوَاهُ زِيَادٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَمِثْلُهُ الْمَرِيضُ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَقْلِهِ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>