للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَحْنُونٌ بِالْأَسَدِيَّةِ إلَى ابْنِ الْقَاسِمِ فَسَمِعَهَا مِنْهُ وَأَصْلَحَ فِيهَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهَا وَجَاءَ بِهَا إلَى الْقَيْرَوَانِ وَهِيَ فِي التَّأْلِيفِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ كِتَابُ أَسَدٍ مُخْتَلِطَةَ الْأَبْوَابِ غَيْرَ مُرَتَّبَةِ الْمَسَائِلِ وَلَا مَرْسُومَةَ التَّرَاجِمِ وَكَتَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَسَدٍ أَنْ يَعْرِضَ كِتَابَهُ عَلَيْهَا وَيُصْلِحَهُ مِنْهَا فَأَنِفَ مِنْ ذَلِكَ، فَيُقَالُ: إنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ دَعَا أَنْ لَا يُبَارَكَ فِيهَا فَهِيَ مَرْفُوضَةٌ إلَى الْيَوْمِ ثُمَّ إنَّ سَحْنُونًا نَظَرَ فِيهَا نَظَرًا آخَرَ وَبَوَّبَهَا وَطَرَحَ مِنْهَا مَسَائِلَ وَأَضَافَ الشَّكْلَ إلَى شَكْلِهِ وَهَذَّبَهَا وَرَتَّبَهَا تَرْتِيبَ التَّصَانِيفِ وَاحْتَجَّ لِمَسَائِلِهَا بِالْآثَارِ مِنْ رِوَايَتِهِ مِنْ مُوَطَّأِ ابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ وَأَلْحَقَ فِيهَا مِنْ خِلَافِ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَا اخْتَارَهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِكُتُبٍ مِنْهَا وَبَقِيَتْ مِنْهَا كُتُبٌ عَلَى حَالِهَا مُخْتَلِطَةً مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ فِيهَا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ تُسَمَّى الْمُدَوَّنَةَ وَالْمُخْتَلَطَةَ وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى بِالْأُمِّ ثُمَّ إنَّ النَّاسَ اخْتَصَرُوهَا فَاخْتَصَرَهَا ابْنُ أَبِي زَيْدٍ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرُهُمْ ثُمَّ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرَاذِعِيُّ.

وَيُسَمَّى اخْتِصَارُهُ بِالتَّهْذِيبِ وَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِ حَتَّى صَارَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُطْلِقُونَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ وَاخْتَصَرَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ تَهْذِيبَ الْبَرَاذِعِيِّ وَالْمُدَوَّنَةَ أَشْرَفُ مَا أَلَّفَ فِي الْفِقْهِ مِنْ الدَّوَاوِينِ وَهِيَ أَصْلُ الْمَذْهَبِ وَعُمْدَتُهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَدَارِكِ فِي تَرْجَمَةِ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهَا كَلَامُ رَجُلٍ صَالِحٍ وَرِوَايَتُهُ أَفْرَعَ الرِّجَالُ فِيهَا عُقُولُهُمْ وَشَرَحُوهَا وَبَيَّنُوهَا وَكَانَ يَقُولُ: مَا اعْتَكَفَ رَجُلٌ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَدِرَاسَتِهَا إلَّا عَرَفَ ذَلِكَ فِي وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَمَا عَدَاهَا أَحَدٌ إلَى غَيْرِهَا إلَّا عَرَفَ ذَلِكَ فِيهِ، وَكَانَ يَقُولُ: إنَّمَا الْمُدَوَّنَةُ مِنْ الْعِلْمِ بِ مَنْزِلَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ مِنْ الْقُرْآنِ تُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ غَيْرِهَا وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا عَنْهَا كَذَا نُقِلَ هَذَا عَنْ سَحْنُونٍ فِي تَرْجَمَةِ أَسَدِ بْنِ الْفُرَاتِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِهِ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ قَالَ: يُرْوَى مَا بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَصَحُّ مِنْ مُوَطَّإِ مَالِكٍ وَبَعْدَهُ مُدَوَّنَةُ سَحْنُونٍ انْتَهَى. وَذَلِكَ أَنَّهُ تَدَاوَلَهَا أَفْكَارُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ: مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَسَدٌ وَسَحْنُونٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بِفِيهَا يُرِيدُ بِلَفْظَةٍ أَحَدُ جُزْأَيْهَا ضَمِيرُ مُؤَنَّثٍ غَائِبٍ إمَّا مَلْفُوظٌ بِهِ، نَحْوُ مِنْهَا وَفِيهَا وَظَاهِرُهَا أَوْ مُسْتَتِرٌ نَحْوُ رَوَيْت وَحَمَلْت وَقَيَّدْت وَأَعَادَ عَلَيْهَا ضَمِيرَ الْغَائِبِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَارَةً يُشِيرُ إلَى الْأُمِّ وَتَارَةً إلَى التَّهْذِيبِ قَالَ الْبِسَاطِيّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَجْزَاءٌ مِنْ الْأُمِّ دُونَ الْكُلِّ ثُمَّ إنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّمَا يَأْتِي بِهَا غَالِبًا لِكَوْنِ مَا فِيهَا مُخَالِفًا لِمَا رَجَّحَهُ وَلِإِشْكَالِ مَا فِيهَا.

ص (وَبِأَوَّلٍ إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا فِي فَهْمِهَا)

ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ أَيْ بِمَادَّةِ أَوَّلَ لِيَنْدَرِجَ نَحْوُ تَأْوِيلَانِ وَتَأْوِيلَاتٍ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الِاخْتِلَافِ إنَّمَا هُوَ فِي جِهَاتِ مَحْمَلِ لَفْظِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ فِي أَدَاءً فِي الْحَمْلِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَتُعَدُّ أَقْوَالًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ تَكُونُ التَّأْوِيلَاتُ أَقْوَالًا فِي الْمَسْأَلَةِ وَاخْتَلَفَ شُرَّاحُ الْمُدَوَّنَةِ فِي فَهْمِهَا عَلَى تِلْكَ الْأَقْوَالِ فَكُلٌّ فَهِمَهَا عَلَى قَوْلٍ وَنُنَبِّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحِلِّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ يَكُونُ أَحَدُ التَّأْوِيلَاتِ مُوَافِقًا لِلْمَشْهُورِ فَيُقَدِّمُهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ يَعْطِفُ الثَّانِي عَلَيْهِ وَالتَّأْوِيلُ إخْرَاجُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ التَّأْوِيلَاتِ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى بَقَاءِ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ.

ص (وَبِالِاخْتِيَارِ لِلَّخْمِيِّ لَكِنْ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ وَبِالِاسْمِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَبِالتَّرْجِيحِ لِابْنِ يُونُسَ كَذَلِكَ وَبِالظُّهُورِ لِابْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ وَبِالْقَوْلِ لِلْمَازِرِيِّ كَذَلِكَ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُشِيرُ بِمَادَّةِ الِاخْتِيَارِ لِاخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ لَكِنْ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ نَحْوُ الْمُخْتَارِ وَالِاخْتِيَارِ فَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ مِنْ خِلَافٍ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ وَإِنْ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ نَحْوُ اخْتَارَ وَاخْتِيرَ فَذَلِكَ اخْتِيَارُهُ فِي نَفْسِهِ وَيُشِيرُ بِمَادَّةِ التَّرْجِيحِ لِابْنِ يُونُسَ وَإِنْ كَانَ بِصِيغَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>