للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَبْدِ السَّلَامِ الْقَوْلَيْنِ لَا بِقَيْدِ الْمَرَضِ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا نَقْلَ أَبِي عُمَرَ إنْ أَخَّرَ الْمَدَنِيُّ لِلْجُحْفَةِ فَفِي لُزُومِ الدَّمِ قَوْلَا مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا انْتَهَى.

(قُلْت:) لَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ قَيْدُ الْمَرَضِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي نُسَخٍ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا نَصُّهُ: وَاخْتُلِفَ فِي الْمَدَنِيِّ الْمَرِيضِ هَلْ يُرَخَّصُ لَهُ فِي تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى الْجُحْفَةِ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ انْتَهَى.

وَاعْتَمَدَ فِي الشَّامِلِ تَشْهِيرَ ابْنَ بَزِيزَةَ فَقَالَ وَرَخَّصَ لِلْمَدَنِيِّ يَمُرُّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مَرِيضًا فِي تَأْخِيرِهِ لِلْجُحْفَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ: لَا لِمَكَّةَ انْتَهَى.

وَكَذَا التِّلِمْسَانِيُّ وَسَيِّدِي الشَّيْخُ أَحْمَدُ زَرُّوق، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ وَنَصُّهُ: وَالْمَرِيضُ يُحْرِمُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ افْتَدَى، وَإِنْ أَخَّرَ إلَى الْجُحْفَةِ فَهُوَ فِي سَعَةٍ، وَأَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِحْرَامَ لِمَرَضِهِ حَتَّى يَقْرُبَ مِنْ مَكَّةَ لِغَيْرِ مِيقَاتٍ لَهُ فَلَا يَفْعَلُ وَلْيُحْرِمْ مِنْ الْمِيقَاتِ انْتَهَى.

فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ ابْن بَزِيزَةَ وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ رَجَّحَهُ اللَّخْمِيُّ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَانْظُرْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ هَلْ التَّأْخِيرُ حَرَامٌ وَيَجِبُ بِسَبَبِ الْهَدْيِ أَمْ لَا وَلَفْظُ النَّوَادِرِ الْمُتَقَدِّمُ: لَا يَنْبَغِي، وَهَكَذَا نَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ وَالْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَنَقَلَهُ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ بِلَفْظِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، وَنَصُّهُ: وَهَلْ لِلْمَرِيضِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ غَيْرِهَا أَنْ يُؤَخِّرَ إذَا مَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ حَتَّى يُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ؟ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِعُذْرِهِ وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلْيُحْرِمْ، فَإِنْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ افْتَدَى انْتَهَى.

فَلَعَلَّهُ فَهِمَ قَوْلَ لَا يَنْبَغِي عَلَى التَّحْرِيمِ، وَفِي كَلَامِهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ فِي الْمَرِيضِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ: ظَاهِرٌ وَمِثْلُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ وَيَعْنِي بِغَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِهَا احْتِرَازًا مِنْ الْمِصْرِيِّ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْحُلَيْفَةِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ مُسْتَحَبٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِهِ: لَوْ كَانَ الْمَدَنِيُّ غَيْرَ مَرِيضٍ وَأَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَسُقُوطِهِ قَوْلَانِ، وَالْوُجُوبُ لِمَالِكٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي الْوُجُوبِ وَالسُّقُوطِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ فِي مَنَاسِكِهِ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ ابْنِ زَرْقُونٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ اُخْتُلِفَ فِي مُرِيدِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُجَاوِزُ مِيقَاتَهُ إلَى مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ الْمَدَنِيُّ الْإِحْرَامَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُحْرِمَ مِنْ الْجُحْفَةِ فَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ دَمٌ، وَمِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ أَوْجَبَ الدَّمَ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهُ انْتَهَى.

وَهَكَذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَرَضٍ، وَلَا بِغَيْرِ مَرَضٍ وَلَكِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الصَّحِيحُ وَلِذَا قَالَ فِي الشَّامِلِ: وَلَا يُؤَخِّرُهُ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَالدَّمُ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْخِلَافَ بِغَيْرِ قَيْدِ الْمَرَضِ إلَّا لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى الطَّاعَةِ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَمِنْ كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ قِيلَ: لِمَالِكٍ فِي مِيقَاتِ الْجُحْفَةِ أَيُحْرِمُ مِنْ وَسَطِ الْوَادِي أَوْ آخِرِهِ قَالَ كُلُّهُ مُهَلٌّ وَلْيُحْرِمْ مِنْ أَوَّلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِثْلَ الْجُحْفَةِ مِنْ الْمَوَاقِيتِ وَسُئِلَ أَيْضًا: أَيُحْرِمُ مِنْ الْجُحْفَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي؟ قَالَ: ذَلِكَ وَاسِعٌ، وَمِنْ الْأَوَّلِ أَحَبُّ إلَيْنَا انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ سَنَدٌ وَذِكْرُ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ فِي رَسْمِ حَلَفَ لَيَرْفَعَنَّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ: وَمِنْ الْأَوَّلِ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَلَمْ يَزِدْ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهَا شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ مَالِكٍ الْأَوَّلَ أَعْنِي قَوْلَهُ: مُهَلٌّ وَمِنْ أَوَّلِهِ أَحَبُّ إلَيَّ وَعَزَاهُ لِلْمُخْتَصَرِ الْكَبِيرُ وَانْظُرْ هَلْ مُرَادُ مَالِكٍ بِالْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ رَابِغٌ أَمْ لَا؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) : يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا مَنْ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ لِلْإِحْرَامِ فِي مَسْجِدِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>