ثُمَّ يُحْرِمَ إذَا خَرَجَ مِنْهُ، وَتُحْرِمَ الْحَائِضُ مِنْ فِنَائِهِ، وَلَا تَدْخُلَ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ مَسْجِدَهَا يُقْصَدُ لِرُكُوعِ الْإِحْرَامِ اقْتِدَاءً بِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَّ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ عَدَاهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَوَّلُ الْمِيقَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَائِدَةٌ) قَالَ ابْنُ مُسَدِّيٍّ فِي خُطْبَةِ مَنْسَكِهِ: وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: مِنْ أَيْنَ أُحْرِمُ؟ قَالَ: أَحْرِمْ مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعَادَ عَلَيْهِ مِرَارًا، وَقَالَ: فَإِنْ زِدْتُ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ، قَالَ وَمَا فِي هَذِهِ مِنْ الْفِتْنَةِ إنَّمَا هِيَ أَمْيَالٌ أَزِيدُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ فِي هَذَا؟ قَالَ: وَأَيُّ فِتْنَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَرَى أَنَّكَ أَصَبْتَ فَضْلًا قَصَّرَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ تَرَى أَنَّ اخْتِيَارَكَ لِنَفْسِكَ فِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ اخْتِيَارِ اللَّهِ لَكَ وَاخْتِيَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى.
وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا رُوِّينَا عَنْ مَعْنِ بْنِ عِيسَى قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي فَكُلُّ مَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يُوَافِقْ السُّنَّةَ مِنْ ذَلِكَ فَاتْرُكُوهُ انْتَهَى.
ص (وَإِزَالَةُ شَعَثِهِ)
ش: الضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى الَّذِي يُرِيدُ الْإِحْرَامَ يَعْنِي أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ أَنْ يُزِيلَ شَعَثَهُ بِأَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَيَقُصَّ شَارِبَهُ وَيَحْلِقَ عَانَتَهُ وَيَنْتِفَ إبِطَهُ وَيُزِيلَ الشَّعْرَ الَّذِي عَلَى بَدَنِهِ مَا عَدَا شَعْرَ رَأْسِهِ، فَإِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ إبْقَاؤُهُ طَلَبًا لِلشَّعَثِ فِي الْحَجِّ لَكِنْ نَصَّ ابْنُ بَشِيرٍ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُلَبِّدَهُ بِصَمْغٍ أَوْ غَاسُولٍ فَيَلْتَصِقُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَتَقِلُّ دَوَابُّهُ أَيْ: لَا يَكْثُرُ فِيهِ الْقَمْلُ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظِ وَيَقْتُلُ دَوَابَّهُ، وَنَقَلَهُ فِي مَنَاسِكِهِ بِلَفْظِ وَتَمُوتُ دَوَابُّهُ، وَذَلِكَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَقْتُلُ دَوَابَّ رَأْسِهِ بَعْدَ أَنْ يَلْتَصِقَ الشَّعْرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَكُونُ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ أَوْ شَاكًّا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَمْلَةَ إذَا مَاتَتْ نَجُسَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَأَيْضًا، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنْ يَقَعَ الْقَتْلُ لِلْقَمْلِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ، وَاَلَّذِي فِي لَفْظِ ابْنِ بَشِيرٍ إنَّمَا هُوَ لِتَقِلَّ دَوَابُّهُ مِنْ الْقِلَّةِ ضِدُّ الْكَثْرَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَيُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِي إزَالَةِ دَرَنِهِ وَتَقْلِيمِ أَظْفَارِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ، وَالشَّعَثُ الدَّرَنُ وَالْوَسَخُ وَالْقَشَبُ انْتَهَى.
ص (وَتَرْكُ اللَّفْظِ بِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ التَّلَفُّظَ بِالنُّسُكِ الَّذِي يُرِيدُهُ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى النِّيَّةِ أَفْضَلُ مِنْ التَّلَفُّظِ بِذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنْسَكِهِ: هَذَا هُوَ: الْمَعْرُوفُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ التَّلَفُّظِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ التَّسْمِيَةُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ قَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ وَاسِعٌ سَمَّى أَوْ تَرَكَ وَصِفَةُ التَّسْمِيَةِ أَنْ يَقُولَ: لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ أَوْ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ أَوْ يَقُولَ: أَحْرَمْتُ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا (تَنْبِيهٌ) : قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الثَّعَالِبِيُّ فِي جَامِعِ الْأُمَّهَاتِ قِيلَ: التَّلَفُّظُ أَوْلَى لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّهُ إنْ لَمْ يَنْطِقْ يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ انْتَهَى.
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْمَارُّ بِهِ إنْ لَمْ يُرِدْ مَكَّةَ أَوْ كَعَبْدٍ فَلَا إحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلَا دَمَ، وَإِنْ أَحْرَمَ)
ش يَعْنِي أَنَّ الْمَارَّ بِالْمِيقَاتِ إذَا لَمْ يُرِدْ دُخُولَ مَكَّةَ بَلْ كَانَتْ حَاجَتُهُ دُونَ مَكَّةَ أَوْ فِي جِهَةٍ أُخْرَى، فَإِنَّهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ دُخُولُ مَكَّةَ وَأَحْرَمَ بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ لِلْمِيقَاتِ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَرُورَةً فَفِيهِ خِلَافٌ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ الْإِحْرَامُ عَلَى مَنْ لَا يُخَاطَبُ بِفَرِيضَةِ الْحَجِّ كَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَوْ كَعَبْدٍ وَشَمِلَ كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ لَا يُخَاطَبُ بِفَرِيضَةِ الْحَجِّ كَالْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِحْرَامُ بِهِ كَالْكَافِرِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُدْخِلَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَيُخْرِجَهُمَا إلَى مِنًى وَعَرَفَاتٍ غَيْرَ مُحْرِمَيْنِ، فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَلَا دَمَ عَلَى الْعَبْدِ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ، وَإِذَا أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ حَاضَتْ الْجَارِيَةُ بَعْدَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ أَوْ، وَهُمْ بِعَرَفَاتٍ فَأَحْرَمُوا حِينَئِذٍ فَوَقَفُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute