أَجْزَأَتْهُمْ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِمْ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: لِأَنَّهُمْ جَاوَزُوهُ قَبْلَ تَوَجُّهِ حَجِّ الْفَرْضِ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ فِي الْمُغْمَى عَلَيْهِ: إذَا أَفَاقَ وَأَحْرَمَ وَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ أَجُزْأَهُ حَجُّهُ وَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَانْظُرْ هَلْ يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمَرْأَةُ فِي التَّطَوُّعِ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مُحْرِمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا إذَا أَحْرَمَ وَكَانَتْ صَحِبَتْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ الْإِحْرَامِ فَهَاهُنَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تُحْرِمَ بِالتَّطَوُّعِ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إلَّا الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ فَتَأْوِيلَانِ)
ش: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ إذَا أَرَادَهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحْرَمَ وَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّرُورَةَ الْمُسْتَطِيعَ إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِمَكَّةَ ثُمَّ أَرَادَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَحْرَمَ فَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِ الدَّمِ لَهُ، وَالْمَسْأَلَةُ كَذَلِكَ مَفْرُوضَةٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَفِي شُرُوحِهَا، وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ الْخِلَافَ فِي الصَّرُورَةِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ وَتَوْضِيحِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَالتَّأْوِيلَانِ لِابْنِ شَبْلُونٍ عَلَى أَنَّ الصَّرُورَةَ يَلْزَمُهُ الدَّمُ سَوَاءٌ كَانَ مُرِيدًا لِلْحَجِّ حِينَ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ أَوْ غَيْرَ مُرِيدٍ وَتَأَوَّلَهَا الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَلَى أَنَّ الصَّرُورَةَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدَّمُ إلَّا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِلْحَجِّ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ هُوَ الصَّوَابُ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ قَوْلِ ابْنِ شَبْلُونٍ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
ص (وَمَرِيدُهَا إنْ تَرَدَّدَ أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ فَكَذَلِكَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُتَرَدِّدِينَ إلَيْهَا كَالْمُتَسَبَّبِينَ فِي الْفَوَاكِهِ وَالطَّعَامِ وَكَالْحَطَّابِينَ وَنَحْوِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاسْتَحَبَّ اللَّخْمِيُّ لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ يُشِيرُ بِهِ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمُتَرَدِّدِينَ بِالْفَوَاكِهِ وَالْحَطَبِ وَأَنَّهُ لَا إحْرَامَ عَلَيْهِمْ قَالَ أَوْ مِثْلُ مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ حِينَ خَرَجَ إلَى فَدِيدٍ فَبَلَغَهُ خَبَرُ فِتْنَةِ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ لِمِثْلِ جُدَّةَ وَالطَّائِفِ وَعُسْفَانَ وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ الْعَوْدَ فَلَمَّا خَرَجَ بَدَا لَهُ فَأَرَادَ الْعَوْدَ فَعَلَيْهِ الْإِحْرَامُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّ مَسْأَلَةَ الْعُتْبِيَّةِ لَيْسَتْ مُخَالِفَةً لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَضِيَّةِ ابْنِ عُمَرَ وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ: أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إمَّا أَنْ يَخْرُجَ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ أَوْ لَا، فَإِنْ خَرَجَ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ قَرِيبٍ لِأَمْرٍ عَاقَهُ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ فَيَدْخُلُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَا لَهُ عَنْ سَفَرِهِ لِأَمْرٍ رَآهُ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَيْسَتْ بِخِلَافٍ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ قَرِيبًا، وَلَمْ يُقِمْ فِيهِ كَثِيرًا فَلَهُ الرُّجُوعُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ بَعِيدًا أَوْ قَرِيبًا بِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ مُحْرِمًا قَالَ: وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ قَالَ وَحَدُّ الْقُرْبِ فِي ذَلِكَ مَا إذَا خَرَجَ عَلَى أَنْ يَعُودَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَدَاعُ قَالَ: وَهُوَ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ انْتَهَى.
مُخْتَصَرًا بِالْمَعْنَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ بَعِيدٌ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّائِفَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ، وَقَدْ جَعَلَهَا فِي الرِّوَايَةِ مِنْ الْقَرِيبِ، وَلَوْ حَدَّدَ الْقَرِيبَ بِمَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَقَلَّ لَكَانَ حَسَنًا؛ لِأَنَّ الْمَوَاضِعَ الْمَذْكُورَةَ فِي الرِّوَايَةِ جَعَلَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ حَدًّا لِمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الرِّوَايَةِ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ أَوْ يَرْجِعَ بِسُرْعَةٍ وَقَيَّدَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنْ لَا يُقِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ بِطُولِ الْإِقَامَةِ، وَلَمْ يُبَيِّنُوا الطُّولَ مَا هُوَ وَكَأَنَّهُمْ أَحَالُوا ذَلِكَ عَلَى الْعُرْفِ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ عَادَ لَهَا لِأَمْرٍ فَكَذَلِكَ يُقَيِّدُ بِقَيْدَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنْ يَكُونَ عَادَ مِنْ قَرِيبٍ وَأَنْ يَكُونَ عَوْدُهُ لِأَمْرٍ عَاقَهُ عَنْ السَّفَرِ وَيَلْحَقُ بِهَذَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute