جَوَازِ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ مَنْ دَخَلَ لِقِتَالٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ، وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ، وَيَلْحَقُ بِهَذَا أَيْضًا عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ مَنْ كَانَ خَائِفًا مِنْ سُلْطَانِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَظْهَرَ أَوْ كَانَ خَائِفًا مِنْ جَوْرٍ يَلْحَقُهُ بِوَجْهٍ قَالَ: فَهَذَا لَا يُكْرَهُ لَهُ دُخُولُهَا حَلَالًا فِي ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ مَعَ عُذْرِ التَّكْرَارِ فَكَيْفَ بِعُذْرِ الْمُخَالَفَةِ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) ، مَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ) : إذَا أَجَزْنَا لَهُ الدُّخُولَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُرِدْ الدُّخُولَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، أَمَّا إنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي خَرَجَ إلَيْهِ إنْ كَانَ دُونَ الْمِيقَاتِ كَجُدَّةِ وَعُسْفَانَ، وَإِنْ جَاوَزَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ مَعَ إرَادَتِهِ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ دُونِهِ لَزِمَهُ الدَّمُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، وَلَمْ يَكُنْ مَرِيدًا لِدُخُولِ مَكَّةَ ثُمَّ أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ الدُّخُولَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ مَوْضِعِهِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مَتَى جَاوَزَهُ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّلْقِينِ وَغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ شَاهَدْتُ وَالِدِي يُفْتِي غَيْرَ مَرَّةٍ فِيمَنْ خَرَجَ لِجُدَّةِ بِنِيَّةِ الْعَوْدِ ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا رَجَعَ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ إلَى جُدَّةَ، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْ جُدَّةَ وَحِدَّةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَجُدَّةَ وَعَرَضْتُهُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فَوَافَقُوا عَلَيْهِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَكَلَّمَهُ الْوَالِدُ فِي ذَلِكَ، مَا أَدْرِي هَلْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ أَمْ لَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (، وَإِلَّا وَجَبَ الْإِحْرَامُ وَأَسَاءَ تَارِكُهُ، وَلَا دَمَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ نُسُكًا)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمَارَّ بِالْمِيقَاتِ إذَا كَانَ مُرِيدًا لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ كَعَبْدٍ، وَلَا مِنْ الْمُتَرَدِّدِينَ، وَلَا مِمَّنْ عَادَ لِأَمْرٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ سَوَاءٌ أَرَادَ دُخُولَهَا لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَقَدْ أَسَاءَ أَيْ: أَثِمَ إلَّا أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ دُخُولَهَا لِأَجْلِ نُسُكٍ، وَإِنَّمَا دَخَلَهَا لِحَاجَةٍ أُخْرَى أَوْ؛ لِأَنَّهَا بَلَدُهُ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَرَادَ النُّسُكَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَأَحْرَمَ مِنْ الطَّرِيقِ أَوْ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُ مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ: وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا، وَهُوَ: اخْتِيَارُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: عَلَيْهِ الدَّمُ (فَرْعٌ) ، فَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ أَرَادَ الْإِحْرَامَ مِنْهَا فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِيقَاتِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ نَفَسٌ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَسَنَدٌ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَخُرُوجِ ذِي النَّفَسِ لِمِيقَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مِيقَاتِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْحِلِّ قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِلَّا رَجَعَ، وَإِنْ شَارَفَهَا)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، وَهُوَ مُرِيدٌ لِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ مِنْهُ، وَإِنْ شَارَفَ مَكَّةَ وَقَرُبَ مِنْهَا، وَقَدْ يَتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إذَا دَخَلَهَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُشَارَفَةَ غَايَةً فِي مَحِلِّ الرُّجُوعِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ: خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ يَرْجِعُ مَا لَمْ يُحْرِمْ، وَلَوْ دَخَلَهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ جَاهِلًا، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلْيَرْجِعْ فَيُحْرِمْ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الْحَجِّ فَلْيُحْرِمْ مِنْ مَوْضِعِهِ وَيَتَمَادَى، وَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي اخْتِصَارِ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَجَّ جَاهِلًا، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلْيَرْجِعْ، وَيُحْرِمْ مِنْهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشَارَفْ مَكَّةَ، فَإِنْ شَارَفَهَا أَحْرَمَ، وَأَهْدَى ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ، وَلَوْ لَمْ يُحْرِمْ فَرَجَعَ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَمٌ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ مَرَّ بِمِيقَاتٍ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَجَاوَزَهُ، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا، فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ رَجَعَ وَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشَارِفْ مَكَّةَ، فَإِنْ شَارَفَهَا أَحْرَمَ وَأَهْدَى، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا فَلْيُحْرِمْ، وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ وَنِيَّتُهُ النُّسُكُ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ رَجَعَ مَا لَمْ يُحْرِمْ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشَارِفْ مَكَّةَ، وَقَالَ التِّلْمِسَانِيُّ فِي شَرْح الْجَلَّابِ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ، وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ فَلْيَرْجِعْ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute