للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحِلَّ بِنُسُكٍ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ، وَلَا أَدْخَلَ نُقْصَانًا عَلَى إحْرَامِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَرْجِعُ أَيْنَمَا كَانَ مَتَى لَمْ يُحْرِمْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَقِيلَ: يَرْجِعُ مَا لَمْ يُشَارِفْ مَكَّةَ، فَإِنْ شَارَفَهَا أَحْرَمَ وَأَهْدَى، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى.

وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مَسْأَلَةٍ أُخْرَى: مَنْ أَرَادَ دُخُولَهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُهَا إلَّا حَرَامًا، فَإِنْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَقَدْ عَصَى، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ إنَّمَا شُرِعَ لِتَحِيَّةِ الْبُقْعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ سَقَطَ فِعْلُهُ كَمَا فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ، وَاخْتُلِفَ هَلْ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ لَا؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا دَمَ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: عَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سَنَدٌ، وَظَاهِرُ هَذِهِ النُّقُولِ كُلِّهَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ مَا لَمْ يُحْرِمْ، وَلَوْ دَخَلَ مَكَّةَ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُفْتِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ نَاصِرُ الدِّينِ أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ آمِينَ، وَذَكَرَ فِي فَتْوَاهُ بَعْضَ كَلَامِ الْبَرَاذِعِيِّ وَصَاحِبِ الْإِكْمَالِ وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ الْقَوْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ تَقْيِيدٌ لِلْأَوَّلِ فَقَالَ وَمَنْ تَعَدَّى الْمِيقَاتَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ رَجَعَ مَا لَمْ يُحْرِمْ أَوْ يَخَافُ فَوَاتَ أَصْحَابِهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَصْحَبُهُ أَوْ يُشَارِفُ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَمْضِي وَيُهْدِي وَكَذَا ذَكَرَهُ التَّادَلِيُّ عَنْ أَبِي إبْرَاهِيمَ فِي طُرَرِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَجَعَلَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ شَاسٍ مَنْقُولَ مُحَمَّدٍ وِفَاقًا بَعِيدٌ انْتَهَى.

مَا قَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرٌ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَقِفْ فِي كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَابْنِ شَاسٍ عَلَى الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الرُّجُوعِ وَعَدَمَهُ مَعَ الْمُشَارَفَةِ، وَلَمْ أَرَ لَهَا ذِكْرًا إلَّا فِي التَّنْبِيهِ، وَلَا فِي الْجَوَاهِرِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمِيقَاتِ إلَى الْإِحْرَامِ وُجُوبًا، وَلَوْ دَخَلَ مَكَّةَ، فَإِنْ رَجَعَ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ فَعَلَيْهِ الدَّمُ قَالَ الْبَرَاذِعِيُّ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ، وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ فَلَمْ يُحْرِمْ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ مِنْهَا بِالْحَجِّ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَحَجُّهُ تَامٌّ، وَإِنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مَرِيدٍ لِلْحَجِّ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَسَاءَ فِيمَا فَعَلَ حِينَ دَخَلَ الْحَرَمَ حَلَالًا مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْآفَاقِ كَانَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى.

، وَهَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ أَمَّا ابْتِدَاءً فَمُرِيدُ النُّسُكِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ إلَى الْمِيقَاتِ وَغَيْرُ مُرِيدِ النُّسُكِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْخُرُوجُ لِمِيقَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَإِلَى الْحِلِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلَا دَمَ، وَلَوْ عَلِمَ)

ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ فَأَحْرَمَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ حِينَ جَاوَزَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِهِ فِي مَنَاسِكِهِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ إنَّ الدَّمَ إنَّمَا يُسْقِطُهُ بِالرُّجُوعِ إذَا جَاوَزَهُ جَاهِلًا، أَمَّا إنْ جَاوَزَهُ عَالِمًا بِقُبْحِ فِعْلِهِ فَمَفْهُومُ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا: أَنَّ عَلَيْهِ الدَّمَ، وَلَا يُسْقِطُ رُجُوعَهُ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى سُقُوطِ الدَّمِ بِالرُّجُوعِ مُطْلَقًا انْتَهَى.

(قُلْتُ:) يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ جَاهِلًا، وَلَمْ يُحْرِمْ فَلْيَرْجِعْ فَيُحْرِمَ مِنْهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوَاتَ الْحَجِّ فَلْيُحْرِمْ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ انْتَهَى.

، وَلَمْ أَرَ مَنْ حَمَلَ الْمُدَوَّنَةَ عَلَى الْمَفْهُومِ الَّذِي ذَكَرَهُ إلَّا ابْنَ الْحَاجِبِ وَأَنْكَرَهُ إلَّا ابْنَ الْحَاجِبِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ: إنْ كَانَ جَاهِلًا، وَإِلَّا فَدَمٌ لَا أَعْرِفُهُ وَقَوْلُهُ فِي الْمَنَاسِكِ: وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ يُوهِمُ أَنَّ الْأَكْثَرَ حَمَلُوهَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَنَحْوُهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: إنَّهُ إنْ عَادَ بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>