أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ:) مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْمِصْرِيَّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ إذَا مَرُّوا بِالْحُلَيْفَةِ فَالْأَوْلَى لَهُمْ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْهَا، وَيَجُوزُ لَهُمْ التَّأْخِيرُ لِلْجُحْفَةِ إنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمِصْرِيِّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ يَمُرُّونَ بِالْجُحْفَةِ أَوْ يُحَاذُونَهَا، أَمَّا إنْ أَرَادُوا تَرْكَ الْمُرُورِ بِالْجُحْفَةِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ إنْ أَرَادَ الْمِصْرِيُّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ تَرْكَ الْمَمَرِّ بِالْجُحْفَةِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ إذَا مَرُّوا عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُؤَخِّرُوا إلَى الْجُحْفَةِ مَا نَصُّهُ: وَإِنْ لَمْ يَمُرُّوا بِالْجُحْفَةِ فَلَهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا لِيُحْرِمُوا إذَا حَاذَوْهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا يَمُرُّ بِمِيقَاتِهِ فَمُهَلُّهُ إذَا حَاذَاهُ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ مُرُورُ أَهْلِ الشَّامِ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ بِالْجُحْفَةِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُمْ فِي تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ يُرِيدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُرُورُهُمْ عَلَى مَوْضِعٍ يُحَاذِي مِيقَاتَهُمْ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ عَرَفَةَ وَالتَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ تَقْيِيدٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ لَا خِلَافٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَوْ تُرِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكَانَ مُشْكِلًا، وَلِذَلِكَ اسْتَشْكَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: اُنْظُرْ لِمَ ذَلِكَ، وَهُمْ يُحَاذُونَ الْجُحْفَةَ نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ سَنَدٌ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَقْيِيدَ اللَّخْمِيِّ وَكَلَامُ سَنَدٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الطِّرَازِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي:) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا كَمِصْرِيٍّ إلَخْ أَنَّ غَيْرَ الْمِصْرِيِّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ كَالْعِرَاقِيِّ وَنَحْوِهِ إذَا مَرُّوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْهَا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مَنَاسِكِهِ قَالَ: وَلَوْ مَرَّ الْعِرَاقِيُّ وَنَحْوُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ إذْ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مِيقَاتٍ لَهُ فَقَوْلُهُ: إنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ إنْ أَخَّرُوا الْإِحْرَامَ عَنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ لَزِمَهُمْ الدَّمُ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ، فَقَالَ: وَمَنْ مَرَّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَوْ نَجْدٍ أَوْ الْعِرَاقِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ صَارَتْ مِيقَاتًا لَهُ لَا يَتَعَدَّاهَا، فَإِنْ تَعُدَّاهَا إلَى الْجُحْفَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إذْ لَا يَتَعَدَّاهَا إلَى مِيقَاتٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ خَلَا أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ فَذَلِكَ لَهُمْ إذْ الْجُحْفَةُ مِيقَاتُهُمْ، وَالْفَضْلُ لَهُمْ فِي إحْرَامِهِمْ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الرِّسَالَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَهْلَ الْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ وَنَجْدٍ: وَمَنْ مَرَّ مِنْ هَؤُلَاءِ بِالْمَدِينَةِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مِيقَاتِ أَهْلِهَا مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ إذْ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مِيقَاتٍ لَهُ انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَكُلُّ مَنْ مَرَّ بِمِيقَاتٍ لَيْسَ لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِيقَاتُهُ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الَّذِي مَرَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ هَذَا الَّذِي مَرَّ بِهِ مِيقَاتًا لَهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِيقَاتٌ لَهُ، وَمَنْ تَعَدَّاهُ كَانَ عَلَيْهِ الدَّمُ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّلْقِينِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الطِّرَازِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ لَفْظَ الْمُدَوَّنَةِ: هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ حَتَّى إنَّهُمْ إنْ أَخَّرُوا عَنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهْدَوْا، وَقَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: وَأُحِبُّ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ إنْ مَرُّوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَنْ يُحْرِمُوا مِنْهَا، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ثُمَّ وَجَّهَ كُلًّا مِنْ الْقَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوَّلُ: أَبْيَنُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَ لِمَنْ مَرَّ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَنْ يُجَاوِزَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّاهُ إلَى مِيقَاتٍ لَهُ انْتَهَى.
فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَيُوجَدُ فِي بَعْضِ نُسَخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُخْتَصَرِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُدَوَّنَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ لِحَيْضٍ رُجِيَ رَفْعُهُ)
ش: يَعْنِي أَنَّ إحْرَامَ الْحَائِضِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْحُلَيْفَةِ أَوْلَى مِنْ تَأْخِيرِهِمْ الْإِحْرَامَ إلَى الْجُحْفَةِ ` `، وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إلَى إحْرَامِهَا الْآنَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَكَانَتْ تَرْتَجِي إذَا أَخَّرَتْ إلَى الْجُحْفَةِ أَنْ تَطْهُرَ وَتَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ لِلْإِحْرَامِ