للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ فَرْحُونٍ جَمِيعَهُ قَالَ: وَذَكَرَهُ بَعْضُ السَّلَفِ انْتَهَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِي) إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَالِ الْحَلَالِ السَّالِمِ مِنْ الشُّبْهَةِ وَالْحَرَامِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: فَلْيَقْتَرِضْ مَالًا حَلَالًا يَحُجُّ بِهِ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلَّا طَيِّبًا انْتَهَى. وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ جَمَاعَةَ الْكَبِيرِ: وَإِنْ اقْتَرَضَ لِلْحَجِّ مَالًا حَلَالًا فِي ذِمَّتِهِ وَلَهُ وَفَاءٌ بِهِ وَرَضِيَ الْمُقْرِضُ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى. فَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ أَعْنِي رِضَا الْمُقْرِضِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ وَرِعٌ فِي حَجِّهِ غَيْرُ وَرِعٍ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ كَمَنْ يَقْتَرِضُ مَالًا حَلَالًا لِيُنْفِقَهُ وَيَقْضِيَهُ مِنْ مَالٍ فِيهِ شُبْهَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ طَرَفًا مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(الثَّالِثُ) كَمَا طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الَّذِي يَحُجُّ بِهِ خَالِصًا مِنْ الْحَرَامِ وَالشُّبْهَةِ كَذَلِكَ هُوَ مَطْلُوبٌ بِإِخْلَاصِ النِّيَّةِ لِلَّهِ - تَعَالَى - بَلْ هُوَ أَهَمُّ فَلَا يَخْرُجُ لِيُقَالَ: إنَّهُ حَاجٌّ أَوْ لِيُعَظَّمَ أَوْ لِيُعْطَى الْفُتُوحَاتِ فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ رِيَاءٌ وَالرِّيَاءُ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ فِي مَنْسَكِهِ الْكَبِيرِ: وَأَهَمُّ مَا يَهْتَمُّ بِهِ قَاصِدُ الْحَجِّ إخْلَاصُهُ لِلَّهِ وَحْدَهُ فَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ» وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» انْتَهَى.

وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ الْإِحْيَاءِ: وَلْيَجْعَلْ عَزْمَهُ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعِيدًا عَنْ شَوَائِبِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَلْيَتَحَقَّقْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ قَصْدِهِ وَعَمَلِهِ إلَّا الْخَالِصَ فَإِنَّ مِنْ أَفْحَشِ الْفَوَاحِشِ أَنْ يَقْصِدَ بَيْتَ الْمَلِكِ وَحُرْمَتَهُ وَالْمَقْصُودُ غَيْرُهُ فَلْيُصَحِّحْ مَعَ نَفْسِهِ الْعَزْمَ وَتَصْحِيحُهُ بِإِخْلَاصِهِ وَإِخْلَاصُهُ بِاجْتِنَابِ كُلِّ مَا فِيهِ رِيَاءٌ أَوْ سُمْعَةٌ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَسْتَبْدِلَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ انْتَهَى.

وَاسْتَحَبُّوا لَهُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ يَدُهُ فَارِغَةً مِنْ التِّجَارَةِ لِيَكُونَ قَلْبُهُ مَشْغُولًا بِمَا هُوَ بِصَدَدِهِ فَقَطْ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ حَجِّهِ وَلَا يَأْثَمُ بِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨] الْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ لِلْحَاجِّ مَعَ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ وَأَنَّ الْقَصْدَ إلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ شِرْكًا وَلَا يَخْرُجُ بِهِ الْمُكَلَّفُ عَنْ رَسْمِ الْإِخْلَاصِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْفَرَّاءِ أَمَّا الْحَجُّ دُونَ تِجَارَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ لِعَرْوِهَا عَنْ شَوَائِبِ الدُّنْيَا وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِغَيْرِهَا انْتَهَى. وَقَالَ التَّادَلِيُّ: قَالَ صَاحِبُ السِّرَاجِ قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَا تُعَارِضُ التِّجَارَةُ نِيَّةَ الْحَجِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [البقرة: ١٩٨] الْآيَةُ قَالُوا: يَعْنِي فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ مُعَلَّى وَقَالَ الشَّيْخُ يَحْيَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: يُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ فَارِغَةً مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْغِلُ الْقَلْبَ قَالَ: فَإِنْ اتَّجَرَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ حَجِّهِ.

((قُلْتُ)) : إطْلَاقُ الشَّيْخِ اسْتِحْبَابَ تَرْكِ التِّجَارَةِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ وَتَعْلِيلُهُ بِشُغْلِ الْقَلْبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا مِنْ حِينِ إحْرَامِهِ إلَى آخِرِ حَجِّهِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِهَا حِينَئِذٍ مُبَدِّدٌ لِلْخَاطِرِ وَمُصْرِفٌ عَنْ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْإِقْبَالِ بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَأَمَّا فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ فَلَا وَجْهَ لِاسْتِحْبَابِ تَرْكِهِ إذْ لَيْسَ لَهُ مَا يَشْغَلُهُ التِّجَارَةُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِهَا فِي ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَسَادِ سِلْعَتِهِ وَعَدَمِ نَفَادِهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَقْصِدُهُ فَيَمْتَنِعُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الْحَجِّ أَوْ لَا يَسَعُهُ الْوَقْتُ لِمُحَاوِلَةِ بَيْعِهَا فَيَقْطَعُهُ عَنْ مَقْصُودِهِ وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا سَمِعْت بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: خَرَجْت لِلْحَجِّ فَلَمَّا دَخَلْت تُونُسَ أَشَارَ عَلَيَّ بَعْضُ النَّاسِ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ أَحْمِلُهَا إلَى مَكَّةَ فَفَعَلَتْ فَدَخَلَتْهَا فِي سَابِعِ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ بَيْعِهَا فَعَزَمْت عَلَى الْقُعُودِ إلَى سَنَةٍ أُخْرَى فَقَيَّضَ اللَّهُ لِي مُسَلِّفًا فَخَرَجْت فِي الْحِينِ.

قُلْت: فَإِذَا كَانَتْ سَبَبًا لِذَلِكَ فَالْجَزْمُ تَرْكُهَا أَوْ يُقَالُ: وَجْهُ اسْتِحْبَابِهِ إخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلْعِبَادَةِ حَتَّى لَا يَشُوبَهَا شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الدُّنْيَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَبَّ تَرْكَهَا ذَاهِبًا

<<  <  ج: ص:  >  >>