للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(السَّادِسُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْوَغْلِيسِيَّةِ قَوْلُ الْقَائِلِ: الْحَجُّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ قِلَّةُ أَدَبٍ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الِاسْتِطَاعَةُ مَعْدُومَةٌ فِي الْمَغْرِبِ وَمَنْ لَا اسْتِطَاعَةَ لَهُ لَا حَجَّ عَلَيْهِ، وَرَأَيْت كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى قَائِلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ فَقَصْدُهُ التَّقْرِيبَ إلَى فَهْمِ الْعَامَّةِ انْتَهَى.

((قُلْتُ)) وَقَفْت عَلَى تَأْلِيفٍ فِي الرَّدِّ عَلَى قَائِلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لِلشَّيْخِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ اللَّخْمِيِّ السَّبْتِيِّ وَلَعَلَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق وَأَوَّلُهُ: سَأَلْت أَيُّهَا الْأَخُ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: الْحَجُّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَذَلِكَ مَذْكُورٌ عَنْ بَعْضِ مَنْ يُعْزَى إلَى الْفِقْهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَأْبَى اللَّهُ وَالْمُسْلِمُونَ سُقُوطَ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ وَعَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مُكَلَّفٍ ضَمَّهُ أُفُقٌ مِنْ آفَاقِ الدُّنْيَا أَوْ صُقْعٌ مِنْ أَصْقَاعِ الْأَرْضِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَحَضَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ أَمْنَ الطَّرِيقِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَحْكَامِ الِاسْتِطَاعَةِ مَفْقُودٌ عِنْدَهُمْ وَالصُّقْعُ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ: النَّاحِيَةُ، وَيُقَالُ بِالسِّينِ وَاللَّفْظُ الْمَذْكُورُ حَكَاهُ التَّادَلِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ فَحَكَى عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْوَلِيدِ أَفْتَى بِسُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ وَأَنْ الطُّرْطُوشِيَّ بِضَمِّ الطَّاءِ الْأُولَى أَفْتَى بِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ، وَأَنَّ مَنْ غُرَّ وَحَجَّ سَقَطَ فَرْضُهُ وَلَكِنَّهُ آثِمٌ بِمَا ارْتَكَبَ مِنْ الْغَرَرِ وَذَكَرَ عَنْ مَدْخَلِ ابْنِ طَلْحَةَ أَنَّ السَّبِيلَ السَّابِلَةَ اسْمٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَقِيتُ فِي الطَّرِيقِ مَا اعْتَقَدْت أَنَّ الْحَجَّ مَعَهُ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ بَلْ حَرَامٌ. وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ رَدَّ هَذَا وَنَصَّهُ، وَفِي تَعْلِيقِ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ قَدْ عَلَّقَ اللَّهُ الْحَجَّ عَلَى الِاسْتِطَاعَةِ وَبَيَّنَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ هِيَ الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ إقَامَةِ الْفَرَائِضِ وَتَرْكِ التَّفْرِيطِ وَارْتِكَابِ الْمَنَاكِيرِ وَسَبَبُ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا الْوَلِيدِ أَفْتَى بِسُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ أَهْلِ الْأَنْدَلُسِ، وَأَفْتَى الطُّرْطُوشِيُّ بِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ فَمَنْ غُرَّ وَحَجَّ سَقَطَ فَرْضُهُ وَلَكِنَّهُ آثِمٌ بِمَا ارْتَكَبَ مِنْ الْغَرَرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمُقْتَدَى بِهِمْ فَاعْلَمُوهُ وَاعْتَقِدُوهُ، وَفِي مَدْخَلِ ابْنِ طَلْحَةَ السَّبِيلُ السَّابِلَةُ اسْمٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ مُسَمًّى فَلَقَدْ دَخَلْت الطَّرِيقَ مِنْ الْأَنْدَلُسِ إلَى إشْبِيلِيَّةَ ثُمَّ إلَى بِجَايَةَ وَعَبَرْت الزُّقَاقَ،

وَتَخَيَّلْت وُجُودَ السَّبِيلِ ثُمَّ خَرَجْت إلَى الْمُهْدِيَةِ فَلَقِيت فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ مَا اعْتَقَدْت أَنَّ الْحَجَّ مَعَهُ سَاقِطٌ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ بَلْ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنَّ الِانْصِرَافَ فِيمَا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ أَوْلَى مِنْ تَقَحُّمِ هَذِهِ الْمُخَاطَرَاتِ وَلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ، وَرَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَلَى هَؤُلَاءِ فَقَالَ: الْعَجَبُ مِمَّنْ يَقُولُ: الْحَجُّ سَاقِطٌ عَنْ أَهْلِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ يُسَافِرُ مِنْ قُطْرٍ إلَى قُطْرٍ وَيَقْطَعُ الْمَخَاوِفَ وَيَخْرِقُ الْبِحَارَ فِي مَقَاصِدَ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ، وَالْحَالُ وَاحِدٌ فِي الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَإِنْفَاقِ الْمَالِ وَإِعْطَائِهِ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ لِمَنْ لَا يُرْضِي انْتَهَى.

مَا نَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَقَالَ ابْنُ مُعَلَّى: إشَارَةٌ صُوفِيَّةٌ، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ حِينَ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ سُقُوطِ فَرْضِ الْحَجِّ عَمَّنْ يُكْرَهُ عَلَى دَفْعِ مَالٍ غَيْرِ مُجْحِفٍ بِهِ لِظَالِمٍ اسْتَغْرَمَهُ إيَّاهُ مَا نَصُّهُ وَقَدْ خَاضَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَأَكْثَرُوا فِيهَا الْقَوْلَ فَكُلُّ تَعَلُّقٍ بِمِقْدَارِ مَا يَكْثُرُ عَلَى سَمْعِهِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ إلَى مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ مِنْ تَهْوِيلِ مَا يَجْرِي عَلَى الْحُجَّاجِ، قَالَ: وَلَقَدْ حَضَرْت مَجْلِسَ شَيْخِنَا أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ بِصَفَاقُصَ وَحَوْلَهُ جُمَلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ وَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَكْثِرُوا الْقَوْلَ وَالتَّنَازُعَ فِيهَا فَمِنْ قَائِلٍ بِالْإِسْقَاطِ وَمِنْ مُتَوَقِّفٍ صَامِتٍ، وَالشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَتَكَلَّمُ وَكَانَ مَعَنَا فِي الْمَجْلِسِ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ الْوَاعِظُ وَكُنَّا مَا أَبْصَرْنَاهُ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي الْحَلَقَةِ وَخَاطَبَ الشَّيْخَ اللَّخْمِيُّ وَقَالَ: يَا مَوْلَايَ الشَّيْخَ

<<  <  ج: ص:  >  >>