للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّنَةُ كُلُّهَا لِلْعُمْرَةِ إلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ وَقْتٌ يَصِحُّ فِيهِ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَلَا تُكْرَهُ فِيهِ الْعُمْرَةُ كَسَائِرِ السَّنَةِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ يَصِحُّ فِيهِ الْقِرَانُ فَلَا يُكْرَهُ فِيهِ إفْرَادُ الْعُمْرَةِ كَمَا لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ الْحَجِّ وَلِأَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَفْعَلُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ فِي أَيَّامِ مِنًى، وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْقَلِبُ إحْرَامُهُ عُمْرَةً، فَإِذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا لِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ وَالذِّمَّةُ خَالِيَةً مِمَّا يُنَافِي الْعُمْرَةَ لَمْ يَبْقَ لِلْكَرَاهَةِ وَجْهٌ، وَمَا رَوَاهُ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنْ صَحَّ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ انْتَهَى.

وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي تَبْصِرَتِهِ: وَالْوَقْتُ الَّذِي يُؤْتَى بِهَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ فَمَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ حَجٌّ، وَلَا يُرِيدُهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَيَعْتَمِرُ مِنْ السَّنَةِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَحَبَّ، وَفِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَكُونُ النَّاسُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ يَعْمَلُ عَمَلَ الْعُمْرَةِ، أَمَّا مَنْ حَجَّ فَلَا يَعْتَمِرُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ، وَإِنْ تَعَجَّلَ فَلَا يُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْعَقِدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الرَّمْيِ فَيَلْزَمُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ: يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ، وَلَا يُحِلُّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَإِحْلَالُهُ قَبْلَ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ ذَلِكَ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ وَقَضَاهَا وَأَهْدَى، وَالْقِيَاسُ إذَا أَكْمَلَ الْإِحْرَامَ لِلْحَجَّةِ أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِحْرَامُ لِعُمْرَةٍ، وَيَصِحُّ عَمَلُهَا انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: يَعْنِي أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَنٍ مُعِينٍ كَالْحَجِّ فَقَدْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الصِّدِّيقِ أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ فِي ذِي الْحَجَّةِ «، وَقَالَ: عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً» أَوْ قَالَ: «حَجَّةً مَعِي» إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ: الْعُمْرَةُ لَا تُرْتَدَفُ عَلَى الْحَجِّ فَلِذَلِكَ يَشْتَرِطُونَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي أَيَّامِ مِنًى لِمَنْ حَجَّ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَحُجَّ فَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي سَائِرِ السَّنَةِ، وَلَوْ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمِ النَّحْرِ انْتَهَى.

وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْحَاجِّ وَابْنُ فَرْحُونٍ عَنْ الْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النُّصُوصِ وَصَرِيحِهَا وَنَصِّ ابْنُ الْحَاجِّ، أَمَّا غَيْرُ ابْنِ الْحَاجِّ فَلَا تُكْرَهُ لَهُ الْعُمْرَةُ أَيَّامَ مِنًى وَأَنْ يَحِلَّ مِنْهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا مِنْ أَيِّ بَلَدٍ كَانَ، وَأَصْلُ ذَلِكَ: حَدِيثُ هَبَّارٍ: وَهَلْ لَهُمْ أَنْ يَعْتَمِرُوا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ يَوْمِ النَّحْرِ فِي ذَلِكَ حُكْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ انْتَهَى.

وَنَصُّ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ مِثْلُهُ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ فَلَعَلَّ لَفْظَ قَوَاعِدَ سَقَطَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ سَنَدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَرَاهَتَهَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ وَافَقَهُ عَلَى مَا عَدَا يَوْمَ عَرَفَةَ فَلَوْ كَانَ الْمَذْهَبُ يُوَافِقُهُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ لَبَيَّنَهُ، وَلَا أَدْرِي مَا مُرَادُهُمَا بِالْقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

هَذَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ بَيَانُ مِيقَاتِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ

، وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ بَيَانُ مِيقَاتِ الْإِحْرَامِ لِلْعُمْرَةِ لِمَنْ حَجَّ فَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهَا مُخَالِفٌ لِنُصُوصِ الْمَذْهَبِ مِنْهَا نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمُ حَيْثُ قَالَ: وَتَجُوزُ الْعُمْرَةُ فِي أَيَّامِ السَّنَةِ كُلِّهَا إلَّا الْحَاجَّ فَيُكْرَهُ لَهُمْ أَنْ يَعْتَمِرُوا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مَنَاسِكِهِ: وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ لِلْحَاجِّ عَلَى الْمَنْعِ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ حَلَفَ ابْنُ الْحَاجِبِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ، أَمَّا مَنْ حَجَّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ بَعْدَ أَنْ رَمَى وَأَفَاضَ وَأَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ: وَلَا يَعْمَلُ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ شَيْئًا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَإِنْ عَمِلَ فَعَمَلُهُ بَاطِلٌ، وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ، وَالْأَصْلُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>