قَرْنُ الْمَنَازِلِ أَوْ قَرْنُ الثَّعَالِبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهُوَ خَطَأٌ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ هَذَا هُوَ: الْمَشْهُورُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ: إنَّ الْقَرْنَ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا فِي هُبُوطٍ يُقَالُ: لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَالْآخَرُ عَلَى ارْتِفَاعٍ، وَهِيَ الْقَرْيَةُ وَكِلَاهُمَا مِيقَاتٌ، وَقِيلَ: قَرْنٌ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ الْجَبَلُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْمَوْضِعِ وَقَرَنٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْجَبَلُ الَّذِي تَفْتَرِقُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مَوْضِعٌ فِيهِ طُرُقٌ مُفْتَرِقَةٌ انْتَهَى.
وَعَزَا صَاحِبُ الْإِكْمَالِ هَذَا الْقَوْلَ الْآخَرَ لِلْقَابِسِيِّ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ: وَيُقَالُ لَهُ: قَرْنٌ غَيْرُ مُضَافٍ وَسَمَّاهُ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْنَدِ قَرْنَ الْمَعَادِنِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَالَ النَّوَوِيُّ: وَأَخْطَأَ الْجَوْهَرِيُّ فِيهِ خَطَأَيْنِ فَاحِشَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَالَ: بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ، وَالصَّوَابُ: أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا: بَنُو قَرَنٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَهِيَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ كَمَا قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَدِيثِهِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي التَّنْبِيهِ قَرَنٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا
، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا ذَاتُ عِرْقٍ فَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَبِلَادِ فَارِسَ وَخُرَاسَانَ وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ، وَمَنْ وَرَاءَهُمْ، وَهِيَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ بَيْنَهُمَا اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَيُقَالُ: إنَّ بِنَاءَهَا تَحَوَّلَ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ فَتُتَحَرَّى الْقَرْيَةُ الْقَدِيمَةُ وَيُذْكَرُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِهَا الْمَقَابِرَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ مُعْتَبَرَةٌ بِنَفْسِهَا لَا بِأَسْمَائِهَا، فَإِنْ كَانَ الْمِيقَاتُ قَرْيَةً فَخَرِبَتْ، وَانْتَقَلَتْ عِمَارَتُهَا وَاسْمُهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، كَانَ الِاعْتِبَارُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ تَعَلَّقَ بِهِ، وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَأَى رَجُلًا يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ فَأَخَذَ بِهِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنْ الْبُيُوتِ وَقَطَعَ بِهِ الْوَادِيَ وَأَتَى بِهِ الْمَقَابِرَ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ ذَاتُ عِرْقٍ الْأُولَى انْتَهَى.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: هَذِهِ الْمَوَاقِيتُ مُنْقَسِمَةٌ عَلَى جِهَاتِ الْحَرَمِ انْتَهَى.
وَالْمَوَاقِيتُ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى، وَهِيَ ذُو الْحُلَيْفَةِ وَالْجُحْفَةُ وَيَلَمْلَمُ وَقَرْنٌ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهَا مِنْ تَوْقِيتِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاخْتُلِفَ فِي ذَاتِ عِرْقٍ فَقِيلَ: إنَّهَا مِنْ تَوْقِيتِ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا، وَهُوَ جَوْرٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَإِنْ أَرَدْنَا قَرْنًا شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ: اُنْظُرُوا حَذْوهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ، وَالْمُرَادُ بِ " الْمِصْرَانِ " الْبَصْرَةُ وَالْكُوفَةُ وَالْمُرَادُ بِفَتْحِهِمَا بِنَاؤُهُمَا، فَإِنَّهُمَا بُنِيَتَا فِي خِلَافَةِ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُمَا مِصْرَيْنِ وَقَوْلُهُ: جَوْرٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ: مَائِلَةٌ عَنْ طَرِيقِنَا، وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَقَّتَ عُمَرُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُوَطَّإِ مَنْ وَقَّتَهَا، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا مِنْ تَوْقِيتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ «سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْسِبُهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالطَّرِيقِ الْآخَرِ الْجُحْفَةُ وَمُهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ وَمُهَلُّ أَهْلِ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ وَمُهَلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ» وَقَوْلُهُ: عَنْ الْمُهَلِّ هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ: مِنْ وَضْعِ الْإِهْلَالِ، وَكَذَلِكَ مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ نَجْدٍ وَأَهْلِ الْيَمَنِ أَيْ: مَوْضِعُ إهْلَالِهِمْ اسْمُ مَكَان مِنْ أَهَلَّ وَقَوْلُهُ: أَحْسِبُهُ يَعْنِي أَبَا الزُّبَيْرِ فَقَالَ: أَظُنُّ أَنَّ جَابِرًا رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ النَّوَوِيُّ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَجْزِمْ بِرَفْعِهِ انْتَهَى.
(قُلْت:) لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَلَى الْجَزْمِ وَبِرَفْعِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ» ، وَقَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَجَزَمَ بِرَفْعِهِ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ ابْنَ لَهِيعَةَ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ لَكِنْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute