الْعَشَرَةَ اسْتَعْمَلَتْهُ بِالْأَلِفِ وَالْهَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: ٣٦] أَيْ: مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] أَيْ: فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَدْ قِيلَ: فِي الِاثْنَيْ عَشْرَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ شَاذٌّ فَاعْلَمْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ، فَإِنَّهَا مِنْ النَّفَائِسِ (قُلْت:) ذَكَرَهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَهُنَّ فَجَمْعُ مَنْ لَا يَعْقِلُ بِالْهَاءِ وَالنُّونِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تَسْتَعْمِلُهُ وَأَكْثَرُ مَا تَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَتَسْتَعْمِلُ مَا جَاوَزَ الْعَشَرَةَ بِالْهَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ الْآيَةَ.
ص (وَمَسْكَنٌ دُونَهَا)
ش: يَعْنِي بِهِ أَنَّ مَنْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَوَاقِيتِ فَمِيقَاتُهُ مَنْزِلُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ لَمَّا ذَكَرَ الْمَوَاقِيتَ: «وَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْ مَكَّةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَنْزِلُهُ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ، وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ، فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ فِي الْحِلِّ أَحْرَمَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَرَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحِلِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ الْقِرَانَ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي:) إذَا قُلْنَا يُحْرِمُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَمِنْ أَيْنَ يُحْرِمُ؟ قَالَ فِي الطِّرَازِ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: يُحْرِمُ مِنْ دَارِهِ أَوْ مِنْ مَسْجِدِهِ، وَلَا يُؤَخِّرُ ذَلِكَ، وَهَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: مِنْ دَارِهِ فَلِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ أَهْلِهِ» ، وَإِنْ قُلْنَا مِنْ الْمَسْجِدِ فَوَاسِعٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ فَيُحْرِمُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ ذِي الْحُلَيْفَةِ يَأْتُونَ مَسْجِدَهُمْ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ أَبْعَدِهِمَا مِنْ مَكَّةَ وَاسْتَحَبَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ حَدِّ قَرْيَتِهِ الْأَبْعَدِ مِنْ مَكَّةَ وَيَجْرِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَقَدْ سُئِلَ فِي مِيقَاتِ الْجُحْفَةِ أَيُحْرِمُ مِنْ وَسَطِ الْوَادِي أَوْ مِنْ آخِرِهِ؟ قَالَ: كُلُّهُ مُهَلٌّ، وَمِنْ أَوَّلِهِ أَحَبُّ إلَيْهِ انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي كَلَامُ الْمَوَّازِيَّةِ بِكَمَالِهِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ كَإِحْرَامِهِ أَوَّلَهُ (الثَّالِثُ:) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا كَمِصْرِيٍّ حُكْمُ مَا إذَا سَافَرَ مِنْ مَنْزِلِهِ دُونَ الْمِيقَاتِ لِمَا وَرَاءَ مَنْزِلِهِ أَوْ لِمَا وَرَاءَ الْمِيقَاتِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ:) قَالَ فِي الْجَلَّابِ: وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعْدَ الْمَوَاقِيتِ إلَى مَكَّةَ أَحْرَمَ مِنْهُ، فَإِنْ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ مِنْهُ فَهُوَ كَمَنْ أَخَّرَ الْإِحْرَامَ مِنْ مِيقَاتِهِ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ انْتَهَى.، وَهَذَا بَيِّنٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَحَيْثُ حَاذَى وَاحِدًا أَوْ مَرَّ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَاذَى وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مَرَّ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ إلَّا الْمِصْرِيَّ، وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ إذَا مَرُّوا بِالْحُلَيْفَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَمَنْ كَانَ بَلَدُهُ بَعِيدًا مِنْ الْمِيقَاتِ مَشْرِقًا عَنْ الْمِيقَاتِ أَوْ مَغْرِبًا عَنْهُ، وَإِذَا قَصَدَ إلَى مَكَّةَ مِنْ مَوْضِعِهِ لَمْ يَرَ مِيقَاتًا، وَإِذَا قَصَدَ إلَى الْمِيقَاتِ شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِإِمْكَانِ أَنْ تَكُونَ مَسَافَةُ بَلَدِهِ إلَى الْمِيقَاتِ مِثْلَ مَسَافَةِ بَلَدِهِ إلَى مَكَّةَ، فَإِذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ بِالتَّقْدِيرِ وَالتَّحَرِّي أَحْرَمَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ السَّيْرُ إلَى الْمِيقَاتِ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَجَّ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا حَاذَوْا الْمِيقَاتَ أَحْرَمُوا انْتَهَى.
(فَرْعٌ) حُكْمُ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ حِذَاءَ الْمِيقَاتِ حُكْمُ مَنْ حَاذَى الْمِيقَاتَ فِي السَّيْرِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَمَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ حِذَاءَ الْمِيقَاتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمِيقَاتَ انْتَهَى.
لَكِنْ إنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنْ الْمِيقَاتِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الذَّهَابُ إلَى الْمِيقَاتِ قَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ حُكْمِ الْمَوَاقِيتِ: إنَّ مَنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بِقُرْبِ الْمَوَاقِيتِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْمِيقَاتِ فَيُحْرِمَ مِنْهُ قَالَهُ فِيمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ (قُلْت:) وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرِيدَ الْحَجِّ أَوْ الْقِرَانِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَمِلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْمَكِّيَّ إذَا مَرَّ بِمِيقَاتٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ حَاذَاهُ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ مِنْهُ، وَلَا يَتَعَدَّاهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُخْتَصَرِ الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَرَّ مَكِّيٌّ بِأَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَجَاوَزَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِينَ جَاوَزَهُ يُرِيدُ إحْرَامًا بِأَحَدِهِمَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الدَّمُ، وَكَذَلِكَ