ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَيَجُوزُ الْإِرْدَافُ فِي الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ بِمُجَرَّدِ الشُّرُوعِ فِي الطَّوَافِ يُكْرَهُ الْإِرْدَافُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَتَمَّ الطَّوَافَ مَا لَمْ يَرْكَعْ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) قَوْلُهُ فِي التَّوْضِيحِ: جَائِزٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَتَمَّ الطَّوَافَ فِيهِ سَهْوٌ، وَالصَّوَابُ: أَنْ يُقَالَ جَائِزٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ يُتِمَّ الطَّوَافَ، فَإِنَّهُ إذَا أَتَمَّ الطَّوَافَ كُرِهَ الْإِرْدَافُ، كَمَا قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَكُرِهَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ ذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ كَلَامِهِ هَذَا بِيَسِيرٍ، وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: صَارَ الْإِرْدَافُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَنْ يُرْدِفَ قَبْلَ الطَّوَافِ أَيْ: قَبْلَ كَمَالِهِ، فَهَذَا جَائِزٌ وَبَعْدَ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ وَبَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ جَائِزٌ، وَلَيْسَ بِقِرَانٍ، وَبَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ السَّعْيِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ، وَلَيْسَ بِقِرَانٍ، وَلَيْسَ فِي كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِرْدَافِ بَعْدَ كَمَالِ الطَّوَافِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ: إنَّهُ بَعْدَ السَّعْيِ جَائِزٌ يُرِيدُ أَنَّهُ صَحِيحٌ، كَمَا سَيَأْتِي.
ص (إنْ صَحَّتْ)
ش: يَعْنِي أَنَّ شَرْطَ الْإِرْدَافِ أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ صَحِيحَةً، فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَمْ يَصِحَّ الْإِرْدَافُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَكُونُ بَاقِيًا عَلَى عُمْرَتِهِ، وَلَا يَحُجُّ حَتَّى يَقْضِيَهَا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهَا صَحَّ إحْرَامُهُ بِالْحَجِّ، وَإِنْ كَانَتْ عُمْرَتُهُ الْفَاسِدَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَحَلَّ مِنْهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ قَضَائِهَا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ عُمْرَتِهِ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ، وَحَجُّهُ تَامٌّ قَالَهُ مُحَمَّدٌ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الطِّرَازِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: يَرْتَدِفُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ، وَيَكُونُ قَارِنًا، وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي عَامِهِ الْأَوَّلِ لِقِرَانِهِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، وَيُرِيقُ دَمَيْنِ، دَمٌ لِقِرَانِ الْقَضَاءِ وَدَمُ الْفَسَادِ قَالَهُ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا (فَرْعٌ) : قَالَ سَنَدٌ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَنْعَقِدُ الْحَجُّ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَهُ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَقِدُ فَلَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ النَّذْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ انْتَهَى.
ص (وَكَمَّلَهُ، وَلَا يَسْعَى)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ فِي أَثْنَاءِ الطَّوَافِ فِي الْعُمْرَةِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُ الطَّوَافَ، وَلَا يَسْعَى بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ مَنْ أَنْشَأَ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ أَنْ لَا يَسْعَى إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ إذْ لَا طَوَافَ قُدُومٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرْدَفَ بَعْدَ كَمَالِ الطَّوَافِ وَقَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَرْكَعُ تَكْمِيلًا لِلطَّوَافِ، وَإِنْ أَرْدَفَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي الْحَرَمِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الطَّوَافِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَوَافٌ، وَلَا سَعْيٌ، وَإِنْ أَرْدَفَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَرَمَ لَزِمَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ وَتَقْدِيمُ السَّعْيِ بَعْدَهُ، وَقَالَ الشَّارِحُ فِي الْوَسَطِ وَالصَّغِيرِ: إنَّ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَهُ فِي الطَّوَافِ عَلَى الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُهُ، وَلَا يَسْعَى سَهْوٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْإِرْدَافَ فِي الْعُمْرَةِ الْفَاسِدَةِ لَا يَصِحُّ عَلَى الْمَشْهُورِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَى طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ وَيُكْمِلُ عُمْرَتَهُ.
ص (وَتَنْدَرِجُ)
ش: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَعْنَى انْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ أَنْ يُسْتَغْنَى بِطَوَافِ الْحَجِّ وَسَعْيِهِ وَحِلَاقِهِ عَمَّا وَافَقَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ هَذَا الْقَارِنُ مُرَاهِقًا جَازَ لَهُ تَرْكُ طَوَافِ الْقُدُومِ وَيَقَعُ حَلْقُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ، وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ فَالطَّوَافُ الَّذِي يُوقِعُهُ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ، وَلَيْسَ هُوَ لِلْعُمْرَةِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ انْدَرَجَتْ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ انْتَهَى.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقَارِنَ إنَّمَا يَقْصِدُ بِأَفْعَالِهِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا أَفْعَالَ الْحَجِّ، وَأَنَّهَا الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ لِإِحْرَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَلَا يَقْصِدُ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ بِخُصُوصِهَا، وَلَا يَقْصِدُ التَّشْرِيكَ فِي الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَالسَّعْيِ، وَأَنَّهُمَا لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَلْ يَنْوِي بِالطَّوَافِ الْأَوَّلِ طَوَافَ الْقُدُومِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ الَّذِي أَحْرَمَهُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَبِالسَّعْيِ بَعْدَهُ السَّعْيَ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ وَبِالْوُقُوفِ الْوُقُوفَ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ لِلْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ وَبِالطَّوَافِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ الَّذِي هُوَ رُكْنٌ لِلْإِحْرَامِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ قَدْ انْقَضَتْ بِالطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَالسَّعْيِ بَلْ حُكْمُهَا بَاقٍ
وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute