ثُمَّ يَسْتَفِيقَ فَلْيَبْنِ كَمَنْ يَخْرُجُ مِنْ مُصَلَّاهُ إلَى مِثْلِ جَوَانِبِ الْمَسْجِدِ وَإِيوَانِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بِنِسْيَانٍ أَوْ جَهْلٍ، وَلَمْ يَتَبَاعَدْ فَلْيَبْنِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ أَوْ يَطُلْ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ: مِنْ سُبْعِهِ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ يَعْنِي طَوَافَهُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُتَعَمِّدًا إلَى آخِرِهِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ الرُّكْنِ الْيَمَانِي عَمْدًا، وَأَتَمَّ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحْصُلْ فِي ذَلِكَ طُولٌ، فَإِنَّهُ يَبْنِ مَا لَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ أَوْ يَطُلْ جِدًّا فَفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَبَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا ثُمَّ خَرَجَ إلَى السَّعْيِ وَسَعَى بَعْضَ السَّعْيِ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَا يَبْنِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلًا ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَثْنَاءِ السَّعْيِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فَيَبْنِي، وَكَذَلِكَ لَوْ ذَكَرَ بَعْدَ السَّعْيِ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يُنْتَقَضْ وُضُوءُهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِيمَنْ نَسِيَ بَعْدَ طَوَافِهِ، وَجَعَلَ الْجَاهِلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالنَّاسِي فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمَنْ ابْتَدَأَ طَوَافَهُ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَبَيْنَ الْبَابِ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ ثُمَّ ذَكَرَ قَالَ: يُجْزِئُهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ أَلْغَى مَا مَشَى مِنْ بَابِ الْبَيْتِ إلَى الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِهِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) ، وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ وَمَنَاسِكِهِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى بَيَانٍ فَأَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ فَالْحُكْمُ فِيهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ ابْتَدَأَ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِي فِي الْبِنَاءِ وَالِابْتِدَاءِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ، أَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، وَأَتَمَّ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَقَوْلُهُ: يُجْزِئُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُلْغِي ذَلِكَ بَلْ يُتِمُّ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ وَيُجْزِئُهُ، أَمَّا مَنْ ابْتَدَأَ مِنْ بَيْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْبَابِ، وَلَمْ يُتِمَّ إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي ابْتَدَأَ مِنْهُ بَلْ أَتَمَّ إلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَهَذَا لَا يُجْزِئُهُ وَيَرْجِعُ فَيُكْمِلُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ قَرِيبًا، فَإِنْ طَالَ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَعَادَ طَوَافَهُ وَسَعْيَهُ، فَإِنْ لَمْ يَذَّكَّرْ حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ فَيَرْجِعُ لِذَلِكَ مِنْ بَلَدِهِ هَكَذَا كَانَ وَالِدِي يُقَرِّرُهُ، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَقَالَ قَوْلُهُمْ هَذَا يَسِيرٌ وَيُجْزِئُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُغْتَفَرٌ.
(قُلْتُ:) وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ التَّلْقِينِ: أَنَّ مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الشَّوْطِ يَرْجِعُ لَهُ، وَقَالَ التَّادَلِيُّ قَالَ الْبَاجِيُّ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ شَوْطٍ فَهَلْ يُتِمُّ ذَلِكَ الشَّوْطَ أَوْ يَبْتَدِئُهُ؟ الَّذِي يَقْتَضِيهِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَبْتَدِئُ الطَّوَافَ مِنْ أَوَّلِهِ انْتَهَى.
وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمُقْبِلَ يَنْصِبُ قَامَتَهُ عِنْدَ تَقْبِيلِ الْحَجَرِ لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ طَافَ، وَبَعْضُهُ فِي الْبَيْتِ، فَيَبْطُلُ طَوَافُهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي مَنَاسِكِهِ مَنْ تَرَكَ مِنْ السَّعْيِ ذِرَاعًا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لَهُ مِنْ بَلَدِهِ، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ وَابْنُ فَرْحُونٍ، وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ خِلَافًا، فَإِذَا كَانَ السَّعْيُ لَا يُغْتَفَرُ مِنْهُ ذِرَاعٌ، وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الطَّوَافِ فَأَحْرَى أَنْ يَقْتَضِيَ إنْ نَقَصَ ذَلِكَ يَبْطُلُ الطَّوَافُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي:) قَالَ ابْنُ مُعَلَّى: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: وَكَيْفِيَّةُ الطَّوَافِ: أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى الْحَجَرِ، وَذَلِكَ: بِأَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ، وَيَقِفَ إلَى جَانِبِ الْحَجَرِ الَّذِي إلَى جِهَةِ الرُّكْنِ الْيَمَانِي بِحَيْثُ يَصِيرُ جَمِيعُ الْحَجَرِ عَنْ يَسَارِهِ يَمِينَهُ وَيَصِيرُ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنُ عِنْدَ طَرَفِ الْحَجَرِ ثُمَّ يَنْوِي الطَّوَافَ لِلَّهِ تَعَالَى ثُمَّ يَمْشِي مُسْتَقْبِلَ الْحَجَرِ مَارًّا إلَى يَمِينِهِ حَتَّى يُجَاوِزَ الْحَجَرَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ، فَإِذَا جَاوَزَهُ انْفَتَلَ، وَجَعَلَ يَسَارَهُ إلَى الْبَيْتِ وَيَمِينَهُ إلَى خَارِجٍ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا فِي الْأَوَّلِ، وَتَرَكَ اسْتِقْبَالَ الْحَجَرِ جَازَ ذَكَرَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ حُذَّاقُ الشَّافِعِيَّةِ (قُلْتُ:) ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّوَوِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: لَا يَصِحُّ طَوَافُ مَنْ لَمْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ انْتَهَى.
كَلَامُ ابْنِ الْمُعَلَّى، وَنَقَلَهُ التَّادَلِيُّ عَنْهُ، وَأَصْلُهُ لِلنَّوَوِيِّ فِي الْإِيضَاحِ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ فِيهِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الطَّوَافِ أَنْ يَمُرَّ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ عَلَى جَمِيعِ الْحَجَرِ، وَالْمُسْتَحَبُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ جَعَلَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ عَنْ يَسَارِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute