للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، فَقَالَ: إنَّهُ الْفَجْوَةُ الْمُسْتَعْلِيَةُ الْمُشْرِفَةُ عَلَى الْمَوْقِفِ، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ الْمَوْقِفِ صَاعِدَةٌ فِي الرَّابِيَةِ، وَهِيَ الَّتِي عَنْ يَمِينِهَا وَوَرَاءَهَا صَخْرٌ نَاتِئٌ مُتَّصِلٌ بِصَخْرِ الْجَبَلِ الْمُسَمَّى بِجَبَلِ الرَّحْمَةِ وَهَذِهِ الْفَجْوَةُ بَيْنَ الْجَبَلِ الْمَذْكُورِ وَالْبِنَاءِ الْمُرَبَّعِ عَنْ يَسَارِهِ، وَهِيَ إلَى الْجَبَلِ أَقْرَبُ بِقَلِيلٍ بِحَيْثُ يَكُونُ الْجَبَلُ قُبَالَةَ الْوَاقِفِ بِيَمِينٍ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَيَكُونُ طَرَفُ الْجَبَلِ قُبَالَةَ وَجْهِهِ، وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ عَنْ يَسَارِهِ بِقَلِيلٍ وَرَاءَ، وَقَالَ: إنَّهُ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ مُحَدِّثِي مَكَّةَ وَعُلَمَائِهَا حَتَّى حَصَلَ الظَّنُّ بِتَعْيِينِهِ انْتَهَى.

وَقَوْلُهُ: عَنْ يَسَارِهِ أَيْ: يَسَارِ الْجَبَلِ، وَقَوْلُهُ: بِيَمِينٍ أَيْ: فِي جِهَةِ يَمِينِ الْوَاقِفِ، وَقَوْلُهُ: عَنْ يَسَارِهِ بِقَلِيلٍ وَرَاءَ أَيْ: عَنْ يَسَارِهِ إلَى جِهَةِ وَرَاءَ، وَالْبِنَاءُ الْمُرَبَّعُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: بَيْتُ آدَمَ قَالَ الْفَاسِيُّ، وَكَانَ سِقَايَةً لِلْحَاجِّ أَمَرَتْ بِعَمَلِهَا وَالِدَةُ الْمُقْتَدِرِ انْتَهَى.

(قُلْت:) وَالْأَئِمَّةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَا يَقِفُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَإِنَّمَا يَقِفُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فِي الْجَبَلِ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَكَأَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَرَاهُمْ النَّاسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ:) نَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ حَدَّ عَرَفَةَ مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى بَطْنِ عُرَنَةَ بِالنُّونِ إلَى جِبَالِ عَرَفَةَ إلَى وَصِيقٍ إلَى مُلْتَقَى وَصِيقٍ وَوَادِي عَرَفَةَ بِالْفَاءِ وَوَصِيقٍ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَقَافٍ قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ: وَعَرَفَةُ كُلُّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْقِفِ فِيمَا بَيْنَ التَّلْعَةِ إلَى أَنْ تَقْضِيَ إلَى طَرِيقِ نَعْمَانَ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ كَبْكَبٍ مِنْ عَرَفَةَ انْتَهَى.

وَأَصْلُهُ لِابْنِ شَعْبَانَ، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الزَّاهِي، وَيَقِفُونَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَشِمَالِهِ وَأَمَامِهِ وَخَلْفِهِ وَعَرَفَةَ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ وَعُرَنَةُ كُلُّ سَهْلٍ وَجَبَلٍ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْقِفِ فِيمَا بَيْنَ التَّلْعَةِ الَّتِي تُفْضِي إلَى طَرِيقِ نَعْمَانَ، وَاَلَّتِي تُفْضِي إلَى طَرِيقِ حِضْنٍ، مَا أَقْبَلَ مِنْ كَبْكَبٍ مِنْ عَرَفَاتٍ انْتَهَى.

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ، وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ كَلَامًا طَوِيلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَبَلَ الرَّحْمَةِ فِي وَسَطِ عَرَفَةَ، وَالنَّاسُ يَنْزِلُونَ حَوْلَهُ فِي قِطْعَةٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ، وَهِيَ مُتَّسِعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَات، وَالْمُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حُدُودِهَا مَا يَلِي الْحَرَمَ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ، وَلِئَلَّا يُجَاوِزَهُ الْحَاجُّ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ مَعْرُوفًا بِالْأَعْلَامِ الَّتِي بُنِيَتْ، وَكَانَتْ ثَلَاثَةً فَسَقَطَ مِنْهَا وَاحِدٌ، وَبَقِيَ اثْنَانِ مَكْتُوبٌ فِي أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِحَاجِّ بَيْتِ اللَّهِ أَنْ يُجَاوِزَ هَذِهِ الْأَعْلَامَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ (الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ الشَّافِعِيُّ اُشْتُهِرَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ تَرْجِيحُ الْوُقُوفِ عَلَى جَبَلِ الرَّحْمَةِ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَيَخْتَلِفُونَ بِذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِ الْوُقُوفِ، وَيُوقِدُونَ الشَّمْعَ عَلَيْهِ لَيْلَةَ عَرَفَةَ، وَيَهْتَمُّونَ بِاسْتِصْحَابِهَا مِنْ بِلَادِهِمْ، وَيَخْتَلِطُ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ فِي الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ، وَذَلِكَ خَطَأٌ وَجَهَالَةٌ، وَابْتِدَاعٌ قَبِيحٌ حَدَثَ بَعْدَ انْقِرَاضِ السَّلَفِ الصَّالِحِ نَسْأَلُ اللَّهَ إزَالَتَهُ وَسَائِرَ الْبِدَعِ، وَشَذَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ فَاسْتَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ، وَسَمَّاهُ جَبَلَ الدُّعَاءِ، وَلَيْسَ لِذَلِكَ أَصْلٌ انْتَهَى.

(قُلْت:) ذَكَرَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْقُرْبَى اسْتِحْبَابَ طُلُوعِهِ، وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحُضُورِ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُقُوفِ الْكَوْنُ بِعَرَفَةَ مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ ذَلِكَ بِقِيَامٍ أَوْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ مَا عَدَا الْمُرُورَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ سَنَدٌ، وَلَا يَشْتَرِطُ أَحَدٌ فِي الْوُقُوفِ قِيَامًا، وَإِنَّمَا هُوَ الْكَوْنُ بِعَرَفَةَ فَكَيْفَ مَا كَانَ أَجْزَأَهُ قَائِمًا كَانَ أَوْ جَالِسًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا، وَكَيْفَ مَا تَصَوَّرَ، وَقَالَ بَعْدَهُ: الْوَاجِبُ مِنْ الْوُقُوفِ الْكَوْنُ بِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ قَائِمًا إنْ كَانَ مَاشِيًا أَوْ يَرْكَبَ نَاقَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْوَقُورِ حَقِيقَتَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ الطُّمَأْنِينَةُ بِعَرَفَةَ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا وَاقِفًا أَوْ جَالِسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مَا عَدَا الْمُرُورَ مِنْ غَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَهُوَ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، وَإِنَّمَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ الْوُقُوفَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>