وَإِنَّمَا هِيَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى بَلْ لَيْسَ لَأَصْبَغَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ سَمَاعٌ (الثَّالِثُ:) إذَا قُلْنَا: بِالْإِجْزَاءِ فِي الْعَاشِرِ، فَقَالَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى يَمْضُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَثَبَتَ عِنْدَهُمْ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ وَيَنْحَرُونَ مِنْ الْغَدِ، وَيَتَأَخَّرُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ يَوْمًا، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الْوُقُوفَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَلَا أَرَى أَنْ يُنْقِصُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيَكُونُ حَالُهُمْ فِي شَأْنِهِمْ كُلِّهِ كَحَالِ مَنْ لَمْ يُخْطِئْ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ نَصَّ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ وُقُوفُهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ مَضَوْا عَلَى عَمَلِهِمْ وَيَتَأَخَّرُ عَمَلُ الْحَجِّ كُلُّهُ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ يَوْمًا انْتَهَى.
(قُلْت:) مَا ذَكَرَهُ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ أَنَّهُمْ يَمْضُونَ عَلَى عَمَلِهِمْ سَوَاءٌ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ الْعَاشِرُ فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ أَوْ بَعْدَهُ قَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الطِّرَازِ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ الْعَاشِرُ قَبْلَ أَنْ يَقِفُوا لَمْ يَقِفُوا، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ لَيْلَةِ الْعَاشِرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِحَيْثُ إنَّهُ يُمْكِنُهُمْ الذَّهَابُ إلَى عَرَفَةَ وَالْوُقُوفُ بِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْوُقُوفِ مِنْ لَيْلَةِ الْعَاشِرِ فَمَا قَالَهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ، وَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ:) الْخِلَافُ فِي إجْزَاءِ الْوُقُوفِ فِي الثَّامِنِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ حَتَّى فَاتَ الْوُقُوفُ قَالَ فِي الْبَيَانِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ وُقُوفَهُمْ لَا يُجْزِئُهُمْ إذَا عَلِمُوا بِذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفُوتَهُمْ الْوُقُوفُ انْتَهَى.
(الْخَامِسُ:) احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: أَخْطَأَ الْجَمُّ مِمَّا إذَا أَخْطَأَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ فَلَمْ يَأْتُوهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ وَقَفَ النَّاسُ، فَإِنَّ الْحَجَّ فَاتَهُمْ وَيَتَحَلَّلُونَ بِأَفْعَالِ عُمْرَةٍ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ
(السَّادِسُ:) قَالَ سَنَدٌ: إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ وَرَدَّ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُمْ لَزِمَهُمْ الْوُقُوفُ لِرُؤْيَتِهِمْ، كَمَا قُلْنَا فِي الصَّوْمِ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ لَا يُجْزِئُهُ، وَيَقِفُ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ الْعَاشِرِ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِلَفْظٍ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَقِفَ مَعَ النَّاسِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى رُؤْيَتِهِ وَمَعَ النَّاسِ، وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: وَمَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحَجَّةِ وَحْدَهُ وَقَفَ وَحْدَهُ كَأَنْ لَمْ يَقْبَلْ فِيهِ، وَفِي الصَّوْمِ سَوَاءٌ، وَقَالَ أَصْبَغُ: يَقِفُ لِرُؤْيَتِهِ وَيُعِيدُ الْوُقُوفَ مِنْ الْغَدِ مَعَ النَّاسِ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْبَيَانِ فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الصِّيَامِ: وَكَذَلِكَ إنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحَجَّةِ وَحْدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ وَحْدَهُ دُونَ النَّاسِ وَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ حَجِّهِ قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ: وَلَعَلَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُشَارَ إلَيْهِ هُوَ أَبُو عِمْرَانَ لَكِنَّهُ زَادَ ثُمَّ يُعِيدُ الْوُقُوفَ مَعَ النَّاسِ قِيلَ لَهُ، فَإِنْ خَافَ مِنْ الِانْفِرَادِ؟ قَالَ: هَذَا لَا يَكَادُ يَنْزِلُ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا عَبْدُ الْحَقِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يَكُونُ كَالْمُحْصَرِ بَعْدُ وَيَحِلُّ ثُمَّ يُنْشِئُ الْحَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَعَ النَّاسِ وَيَحُجُّ مَعَهُمْ عَلَى رُؤْيَتِهِمْ احْتِيَاطًا وَاسْتِحْسَانًا انْتَهَى.
(قُلْت:) مَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ خِلَافُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ إلَّا عَلَى رُؤْيَتِهِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا الْجَاهِلَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَرَّ بِعَرَفَةَ جَاهِلًا بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ وُقُوفُهُ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا لِعَدَمِ اسْتِشْعَارِ الْقُرْبَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِمُحَمَّدٍ، وَكَذَلِكَ عَزَاهُ لَهُ غَيْرُهُ وَعَزَاهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي مَنَاسِكِهِ إنَّهُ الْمَشْهُورُ، وَذَكَرَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَشْهَرُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِالنِّيَّةِ لَيْسَ شَرْطًا (قُلْت:) لَمْ يُصَرِّحْ صَاحِبُ الطِّرَازِ بِأَنَّهُ الْأَشْهَرُ، وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ حَكَى عَنْ مَالِكٍ الْإِجْزَاءَ: وَهُوَ أَبْيَنُ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَالْمُغْمَى