للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدَّرَاهِمَ بِيَدِهِ أَوْ فِيهِ فَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يُفْتِي بِغَسْلِ كُلِّ مَا لَمَسُوهُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ عَدَمُ التَّحَفُّظِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِمْ لِاسْتِغْنَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ بِمِثْلِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ غَيْرُهُ يُفْتِي بِاغْتِفَارِ هَذَا كُلِّهِ قِيَاسًا عَلَى مَا نَسَجُوهُ وَأَكْلِ الْمَائِعِ مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ صَنْعَتُهُمْ تَفْتَقِرُ إلَيْهِمْ فِيهَا كَالصَّوَّاغِينَ فِي الْأَغْلَبِ، وَكَذَا يَسْأَلُونَ عَنْ طَبْخِ الْخُبْزِ فِي الْكُوشَةِ الَّتِي يُخَالِطُونَ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ انْتَهَى.

وَهَذَا يُخَالِفُ مَا إذَا تَحَقَّقَ أَنَّ الْكَافِرَ أَدْخَلَ الدِّرْهَمَ فِي فِيهِ فَإِنَّهُ نَقَلَ ابْنُ نَاجِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ فِي سُؤْرِ النَّصْرَانِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ أَنَّهُ شَاهَدَهُ يُفْتِي غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَخْرَجَ الدِّرْهَمَ مِنْ فِيهِ وَدَفَعَهُ لِمُسْلِمٍ لَا يُصَلِّي بِهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَأَقَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ الْوَانُّوغِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِمَا خَاطَهُ الذِّمِّيُّ قَالَ: لِنَجَاسَةِ رِيقِهِ قَالَ وَلَوْ صَلَّى بِخَيْطٍ رُومِيٍّ فِي جَيْبِهِ لَمْ يُعَدَّ كَنَسْجِهِمْ. وَفِي مَسَائِلِ أَبِي عِمْرَانَ الزَّنَاتِيّ فِي الْبُيُوعِ قَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْفَاسِيُّ وَمَا عَمِلَهُ الصُّنَّاعُ كَالْخَيَّاطِ وَالْخَرَّازِ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الطَّهَارَةِ كَالْمَنْسُوجِ كَافِرًا كَانَ، أَوْ مُسْلِمًا مُصَلِّيًا كَانَ، أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الصُّنَّاعِ التَّحَفُّظُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ النَّسَّاجَةُ وَهِيَ تُرَبِّي وَلَدَهَا وَالْحَالِبَةُ لِلَّبَنِ وَالْمَاخِضَةُ لَهُ وَالْجَامِعَةُ لِلزُّبْدِ مِنْ الْقِرْبَةِ وَالسَّاقِيَةُ لِلْمَاءِ وَالْخَادِمَةُ لِلطَّعَامِ وَالْمُغَرْبِلَةُ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الطَّهَارَةِ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ ذَلِكَ وَيُتَحَقَّقَ، وَصَرَّحَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ التَّاسِعِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ فِيمَا أَلْغَى فِيهِ الْغَالِبَ وَقَدَّمَ النَّادِرَ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَصْنَعُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ وَلَا يَسْتَنْجُونَ وَلَا يَتَحَرَّزُونَ مِنْ النَّجَاسَاتِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ النَّجَاسَةَ، وَأَخَذَهُ الْبَاجِيُّ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَقَالَ ابْنُ شَعْبَانَ فِي الزَّاهِي: وَالثِّيَابُ الَّتِي يَلِي غَسْلَهَا الْكُفَّارُ طَاهِرَةٌ، وَكَذَلِكَ مَا يَنْسِجُ الْمَجُوسُ، وَإِنْ لَمْ يُغْسَلْ انْتَهَى.

ثُمَّ قَالَ وَإِذَا عَلَا الْكَلْبُ ثَوْبًا، أَوْ فُرُشًا لَمْ يَنْجُسَا وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ بِثِيَابِ الْقَصَبِ الْمَصْبُوغَةِ بِالْبَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ بِجُلُودِ الثَّعَالِبِ وَالسِّنَّوْرِ إذَا كَانَا ذُكِّيَا.

ص (وَلَا بِمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ) . ش قَالَ الشَّارِحُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ صَلَاتَهُ هُوَ فِيهِ لَا تُمْنَعُ بِقَوْلِهِ مُصَلٍّ آخَرُ وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُعَدًّا لِلنَّوْمِ دَائِمًا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي الصَّغِيرِ، وَكَذَا فِي الْكَبِيرِ وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ وَابْنِ مَرْزُوقٍ إلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَنْظُرَا فِيهِ بَلْ وَجَّهَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ بِأَنَّهُ هُوَ يَعْرِفُ طَهَارَتَهُ مِنْ نَجَاسَتِهِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرَ وَلَوْ أَخْبَرَهُ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِيهِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَيَلْحَقُ بِمَا يُحَاذِي الْفَرْجَ مَا يَنَامُ فِيهِ وَلَوْ مِنْ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِيهِ انْتَهَى.

وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ بَشِيرٍ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّوْبِ الْمُشْتَرَى مِنْ السُّوقِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَأَمَّا مَا يُنَامُ فِيهِ فَلَا يُصَلَّى فِيهِ حَتَّى يُغْسَلَ كَانَ بَائِعُهُ مَنْ كَانَ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ قِلَّةُ التَّحَفُّظِ مِنْ وُصُولِ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ لِابْنِ بَشِيرٍ فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْغَسْلَ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَجْهَلُ طَهَارَتَهُ، وَأَمَّا مَا أَخْبَرَكَ صَاحِبُهُ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَهُوَ مُصَلٍّ ثِقَةٌ عَدْلٌ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ مَرْزُوقٍ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى بِثِيَابِ غَيْرِ الْمُصَلِّي إلَّا مَا كَانَ مُعَدًّا لِرَأْسِهِ كَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ جَائِزَةٌ، قَالَ اللَّخْمِيُّ كَذَا قَالُوا وَفِيهِ نَظَرٌ حَتَّى لَا يَخْفَى؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا مَنَعُوا الصَّلَاةَ بِمَا يَنَامُ فِيهِ مُصَلٍّ آخَرُ مِنْ أَجْلِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَتِهِ وَالشَّكّ فِي نَجَاسَةِ ثَوْبِ رَأْسِ غَيْرِ الْمُصَلِّي أَقْوَى بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ النَّجَاسَةِ لَا يُبَالِي أَيْنَ تَصِلُ انْتَهَى.

وَقَدْ سَمِعَتْ الْوَالِدَ - حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَذْكُرُ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص (وَلَا بِثِيَابِ غَيْرِ مُصَلٍّ إلَّا لِرَأْسِهِ) . ش كَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ وَعَلَى مَنْ اشْتَرَى رِدَاءً مِنْ السُّوقِ إنْ قَدَرَ أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَهُ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>