للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا عَدَاهَا مِنْ مُلَامَسَةٍ خَفِيفَةٍ وَمُبَاشَرَةٍ خَفِيفَةٍ وَغَمْزٍ وَنَظَرٍ وَكَلَامٍ وَفِكْرٍ إذَا حَصَلَ عَنْ ذَلِكَ مَذْيٌ، وَأَنَّ أَظْهَرَ الْقَوْلَيْنِ وَأَرْجَحَهُمَا وُجُوبُ الْهَدْيِ حِينَئِذٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ مَذْيٌ، فَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، وَقَدْ غَرَّ، وَسَلِمَ، وَأَمَّا الْمُلَاعَبَةُ الطَّوِيلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ الْكَثِيرَةُ، فَفِيهَا الْهَدْيُ؛ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِلَّذَّةِ كَالْقُبْلَةِ بَلْ ذَلِكَ أَشَدُّ، وَلَا يَكَادُ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْمَذْيُ غَالِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَلْنَذْكُرْ نُصُوصَهُمْ لِيَتَّضِحَ ذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَتُكْرَهُ مُقَدِّمَاتُ الْجِمَاعِ كَالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلَّذَّةِ وَالْغَمْزَةِ وَشِبْهِهَا الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ هُنَا التَّحْرِيمُ الْبَاجِيُّ، وَكُلُّ مَا فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِالنِّسَاءِ، فَيُمْنَعُ مِنْهُ الْمُحْرِمُ، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْهُ لَا يُفْعَلُ إلَّا لِلَّذَّةِ كَالْقُبْلَةِ، فَفِيهِ الْهَدْيُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَمَا كَانَ يُفْعَلُ لِلَّذَّةِ وَغَيْرِهَا مِثْلُ لَمْسِ كَفَّيْهَا، أَوْ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا فَمَا أَتَى مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ فَمَمْنُوعٌ، وَمَا كَانَ لِغَيْرِ لَذَّةٍ، فَمُبَاحٌ انْتَهَى. بِمَعْنَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا نَجِدُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْقُبْلَةِ هُنَا كَمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الصِّيَامِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُجِيزُ الْقُبْلَةَ فِي الْإِحْرَامِ لِشَيْخٍ وَلَا لِمُتَطَوِّعٍ اهـ. كَلَامُ التَّوْضِيحِ بِلَفْظِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَقْرَبُ تَحْرِيمُهَا يَعْنِي مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: ١٩٧] ، وَهُوَ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمُقَدِّمَاتِ حَتَّى الْكَلَامَ وَلَا يَبْعُدُ تَأْوِيلُ إطْلَاقِ الْفُقَهَاءِ الْكَرَاهَةَ هُنَا، وَإِرَادَةُ التَّحْرِيمِ، وَلَا تَجِدُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا كَمَا اخْتَلَفُوا فِي الصِّيَامِ، فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُجِيزُ الْقُبْلَةَ فِي الْإِحْرَامِ لِشَيْخٍ وَلَا لِمُتَطَوِّعٍ انْتَهَى.

فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَا تَجِدُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهُ فِي الْقُبْلَةِ فَقَطْ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ حُكْمُ الْجَمِيعِ سَوَاءٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي وُجُوبِ الْهَدْيِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبَاجِيَّ قَالَ: يَجِبُ فِي الْقُبْلَةِ الْهَدْيُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْكَافِي: وَمَنْ قَبَّلَ، أَوْ بَاشَرَ فَلَمْ يُنْزِلْ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَتُجْزِئُهُ شَاةٌ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ أَمَذَى، فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ، وَإِلَّا فَلَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُعَرَّى الْقُبْلَةُ مِنْ الْخِلَافِ، وَيَكُونُ الْخِلَافُ فِيمَا عَدَاهَا وَيَكُونُ مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَمَذَى، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَحْصُلْ مَذْيٌ، فَقَدْ غَرَّ وَسَلِمَ، فَانْظُرْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَرُوِيَ مَنْ قَبَّلَ فَلْيُهْدِ فَإِنْ الْتَذَّ بِغَيْرِهِ، فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَذْبَحَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ رُوِيَ أَيْ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّصَوُّرِ، وَلَا شَكَّ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُلَاعَبَةَ وَنَحْوَهَا أَشَدُّ مِنْ الْقُبْلَةِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ " فَإِنْ الْتَذَّ بِغَيْرِهِ ": يُرِيدُ مِمَّا هُوَ دُونَ الْقُبْلَةِ فِي تَهْيِيجِ الشَّهْوَةِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْمُبَاشَرَةُ وَطُولُ الْمُلَاعَبَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا بَلْ يَدْخُلُ حُكْمُهُمَا فِي حُكْمِ الْقُبْلَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ ضَرُورَةً انْتَهَى.

وَقَالَ الْقَابِسِيُّ فِي تَصْحِيحِ ابْنِ الْحَاجِبِ: قَوْلُهُ: وَفِي وُجُوبِ الْهَدْيِ مُطْلَقًا أَمَّا الْقُبْلَةُ، فَنَصَّ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَاجِيُّ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ الْهَدْيِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْجِمَاعِ، فَإِنْ أَمَذَى مَعَهُ وَجَبَ الْهَدْيُ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ خَلِيلٌ وَفِي الْجَلَّابِ إنْ أَمَذَى، فَلْيُهْدِ وَإِنْ لَمْ يُمْذِ، فَيُسْتَحَبُّ الْهَدْيُ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَ الْبَاجِيِّ كُلُّ مَا لَا يُفْعَلُ إلَّا لِلَّذَّةِ كَالْقُبْلَةِ، فَفِيهِ الْهَدْيُ قَوْلَانِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وُجُوبُ الْهَدْيِ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَعْنِي سَوَاءً الْتَذَّ، أَوْ لَا انْتَهَى.

(تَنْبِيهٌ) : الْمُرَادُ بِالْقُبْلَةِ الْقُبْلَةُ عَلَى الْفَمِ، وَأَمَّا عَلَى الْجَسَدِ، فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُلَامَسَةِ كَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ، وَالْمُرَادُ أَيْضًا مَا لَمْ يَحْصُلْ صَارِفٌ كَوَدَاعٍ، أَوْ رَحْمَةٍ كَمَا قَالُوا هُنَاكَ، فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَلَمْ يَقَعْ قَضَاؤُهُ إلَّا فِي ثَالِثَةٍ)

ش: هَذَا إنْ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى فَاتَ الْوُقُوفُ فِي الْعَامِ الثَّانِي، وَأَمَّا إنْ أَطْلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامِهِ الْأَوَّلِ الْفَاسِدِ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ، وَلَوْ دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَيَقْضِيهِ فِي الْعَامِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ص (وَفَوْرِيَّةُ الْقَضَاءِ وَإِنْ تَطَوُّعًا)

ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّعٍ قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>