بِهِ بِعَرَفَةَ فَسَاقَهُ إلَى مِنًى، فَلَا يَنْحَرُهُ بِهَا، وَلَكِنْ بِمَكَّةَ وَلَا يُخْرِجُهُ إلَى الْحِلِّ ثَانِيَةً إنْ كَانَ قَدْ أَدْخَلَهُ مِنْ الْحِلِّ انْتَهَى.
وَقَالَ بَعْدَهُ: وَمَنْ قَلَّدَ هَدْيًا، أَوْ أَشْعَرَهُ وَهُوَ لَا يُجْزِئُهُ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَقَالَ سَنَدٌ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى: الْهَدْيُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ وَمَنْذُورٌ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مَنْذُورٌ مُعَيَّنٌ وَمَنْذُورٌ فِي الذِّمَّةِ فَمَا قُلِّدَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أُشْعِرَ، أَوْ عُيِّنَ، وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ وَيُشْعِرْ، ثُمَّ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ، أَوْ كَسْرٌ، أَوْ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يُجْزِئُ مَعَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِتَعَدٍّ، أَوْ تَفْرِيطٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ تَعَدَّى، أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْمَنْذُورُ عَيْنُهُ، فَلَا يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُخْتَلَفُ فِيهِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: الْقِيَاسُ أَنْ يُبْدِلَهُ انْتَهَى. .
وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُعْتَبَرُ حِينُ الْوُجُوبِ وَالتَّقْلِيدِ عَلَى الْمَشْهُورِ لَا وَقْتُ الذَّبْحِ، فَلَوْ قَلَّدَ هَدْيًا سَالِمًا، ثُمَّ تَعَيَّبَ أَجْزَأَهُ، وَبِالْعَكْسِ لَمْ يُجْزِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ تَصَوُّرُهُ ظَاهِرٌ وَالْمَشْهُورُ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَالشَّاذُّ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْأَبْهَرِيُّ الَّذِي هُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ بَلْ قَالَ: إنَّهُ الْقِيَاسُ لَكِنْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافٌ فَقَالَ: وَإِذَا سِيقَ الْهَدْيُ عَنْ الْوَاجِبِ لَمْ تَبْرَأْ الذِّمَّةُ إلَّا بِبُلُوغِهِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ فَإِنْ ضَلَّ، أَوْ سُرِقَ، أَوْ هَلَكَ، أَوْ عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَاخْتُلِفَ إذَا نَزَلَ بِهِ عَيْبٌ، ثُمَّ بَلَغَ مَحِلَّهُ فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْحَرُهُ، وَيُجْزِئُهُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ: الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ كَمَوْتِهِ ابْنُ بَشِيرٍ وَقَوْلُ الْأَبْهَرِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالتَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ، أَوْ بِقَبُولٍ وَإِنْ وَجَبَ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ هَدْيًا إلَّا أَنْ يَدُومَ كَمَالُهُ إلَى وَقْتِ نَحْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْمُعْتَبَرُ سَلَامَتُهُ حِينَ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ وَعَيْنُهُ بَعْدَهُمَا لَغْوٌ الصَّقَلِّيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ الْقِيَاسُ حُدُوثُهُ كَمَوْتِهِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ: عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ قَلَّدَهُ سَمِينًا فَنَحَرَهُ فَوَجَدَهُ أَعْجَفَ أَجْزَأَ إنْ كَانَتْ مَسَافَةٌ يَحْدُثُ فِيهَا عَجَفُهُ وَإِلَّا لَمْ يُجْزِهِ فِي الْوَاجِبِ، وَعَكْسُهُ لَا يُجْزِئُهُ إنْ كَانَتْ مَسَافَتُهُ قَدْ يَسْمَنُ فِيهَا، وَإِلَّا فَأُحِبُّ بَدَلَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهَا إنْ جَنَى عَلَيْهِ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ أَجْزَأَهُ، وَأَرْشُ جِنَايَتِهِ كَأَرْشِ عَيْبِهِ اللَّخْمِيُّ عَلَى قَوْلِ الْأَبْهَرِيِّ لَا يُجْزِئُهُ، وَيَغْرَمُ الْجَانِي قِيمَةَ هَدْيٍ سَلِيمٍ؛ لِأَنَّ تَعَدِّيَهُ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى.
فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْهَدْيَ إذَا عُيِّنَ سَالِمًا، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ عَيْبٌ مِنْ اللَّهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْهَدْيُ تَطَوُّعًا، أَوْ وَاجِبًا أَمَّا إنْ كَانَ الْعَيْبُ بِتَعَدٍّ مِنْ صَاحِبِهِ، أَوْ تَفْرِيطٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ كَمَا قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، وَيَكُونُ أَصْلُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: وَإِنْ تَطَوَّعَ بِهِ فَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ إلَخْ.
فَفَصَلَ الْكَاتِبُ الْفَاءَ مِنْ قَوْلِهِ، فَأَرْشُهُ، وَنَقَصَ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَرَأَوْا وَيُقَالُ: وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مُقَابَلَتُهُ بِالْفَرْضِ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرِهِ، فَتَأَمَّلْهُ وَمَشَى الشَّارِحُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ قَيْدٌ لِلْمَشْهُورِ فِي قَوْلِهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ، فَقَالَ إثْرَهُ: أَيْ إذَا قَلَّدَهُ سَلِيمًا، ثُمَّ تَعَيَّبَ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي التَّطَوُّعِ يُرِيدُ، وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ فِي الْوَاجِبِ إذَا كَانَ مَضْمُونًا نَصَّ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى. وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ فِي شَامِلِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَأَمَّا الْبِسَاطِيُّ.
فَفِي كَلَامِهِ تَدَافُعٌ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ تَطَوَّعَ بِهِ، فَهُوَ شَرْطٌ فِي إجْزَاءِ الْعَكْسِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا قَلَّدَهُ سَالِمًا، ثُمَّ تَعَيَّبَ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَ تَطَوُّعًا، وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ إنْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يُجْزِهِ لَكِنْ يُفْهَمُ مِنْهُ مَا يُفْعَلُ بِهِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَنْحَرُهُ أَيْضًا بَدَلَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ، ثُمَّ قَالَ: وَظَاهِرُ هَذَا خِلَافُ مَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا طَوِيلًا فَرَاجِعْهُ إنْ أَحَبَبْتَهُ وَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَأَرْشُهُ وَثَمَنُهُ فِي هَدْيٍ إنْ بَلَغَ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَفِي الْفَرْضِ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي غَيْرٍ) ش يَعْنِي أَنَّ الْهَدْيَ إذَا قُلِّدَ مَعِيبًا وَقُلْنَا لَا يُجْزِئُهُ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ هَدْيًا، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ وَلَا بَيْعُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute