للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: كُلُّ مَالٍ أَمْلِكُهُ إلَى كَذَا مِنْ الْأَجَلِ صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْتَ كَذَا فَحَنِثَ، فِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُ ثُلُثِ مَالِهِ السَّاعَةَ وَجَمِيعِ مَا يَمْلِكُهُ إلَى ذَلِكَ الْأَجَلِ، انْتَهَى.

ص (إلَّا أَنْ يَنْقُصَ فَمَا بَقِيَ)

ش: سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ مِنْ سَبَبِهِ أَوْ مِنْ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ دُونَ تَفْرِيطٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَتَخَيَّرَهُ، وَظَاهِرُهُ كَانَ النُّقْصَانُ بَعْدَ الْحِنْثِ أَوْ قَبْلَهُ، فَأَمَّا قَبْلَ الْحِنْثِ فَالْمَشْهُورُ مَا قَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا بَعْدَ الْحِنْثِ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَضْمَنُ إذَا أَنْفَقَهُ أَوْ ذَهَبَ مِنْهُ كَزَكَاةٍ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى ذَهَبَ الْمَالُ، وَقَالَ أَشْهَبُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ الْحِنْثِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ إذَا فَرَّطَ فِي إخْرَاجِ الثُّلُثِ حَتَّى ذَهَبَ الْمَالُ ضَمِنَ، وَفِي الْوَاضِحَةِ مَنْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ، ثُمَّ ذَهَبَ مَالُهُ بِاسْتِنْفَاقٍ، فَذَلِكَ دَيْنٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ ذَهَبَ بِغَيْرِ سَبَبِهِ، فَلَا يَضْمَنُ، وَلَا يَضُرُّهُ تَفْرِيطٌ حَتَّى أَصَابَهُ ذَلِكَ.

ص (وَهُوَ الْجِهَادُ وَالرِّبَاطُ بِمَحَلٍّ خِيفَ) ش قَالَ فِي كِتَابِ النُّذُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ إذَا جَعَلَ مَالَهُ أَوْ غَيْرَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَذَلِكَ الْجِهَادُ وَالرِّبَاطُ مِنْ السَّوَاحِلِ وَالثُّغُورِ، وَلَيْسَ جُدَّةُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا كَانَ الْخَوْفُ فِيهَا مَرَّةً، انْتَهَى. وَقَالَ فِي كِتَابِ الْحَبْسِ: وَمَنْ حَبَسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَسًا أَوْ مَتَاعًا، فَذَلِكَ فِي الْغَزْوِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ فِي مَوَاحِيزِ الرِّبَاطِ كَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَرَ مَالِكٌ فِي مَالٍ جُعِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْ يُفَرَّقَ فِي السَّوَاحِلِ مِنْ الشَّامِ وَمِصْرَ وَلَمْ يَرَ جُدَّةَ مِنْ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُ: قَدْ نَزَلَ بِهَا الْعَدُوُّ، قَالَ: كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا خَفِيفًا وَسَأَلَهُ قَوْمٌ أَيَّامَ كَانَ مِنْ دَهْلِك مَا كَانَ، وَقَدْ تَجَهَّزُوا يُرِيدُونَ الْغَزْوَ إلَى عَسْقَلَانَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّة وَبَعْضِ السَّوَاحِلِ، وَاسْتَشَارُوهُ أَنْ يَنْصَرِفُوا إلَى جُدَّةَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهُمْ: الْحَقُوا بِالسَّوَاحِلِ، انْتَهَى. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ كَلَامَ مَالِكٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ حَالُهَا الْيَوْمَ كَحَالِهَا فِي الزَّمَنِ الْمُتَقَدِّمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الثَّغْرَ فِي الِاصْطِلَاحِ مَوْضُوعٌ لِلْمَكَانِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ فَكَمْ مِنْ رِبَاطٍ فِي الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي زَمَانِنَا وَبِالْعَكْسِ، انْتَهَى. وَأَصْلُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَزَادَ: فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْكُمَ عَلَى مَوْضِعٍ مَا أَبَدًا بِأَنَّهُ ثَغْرٌ كَمَا يَعْتَقِدُهُ بَعْضُ جَهَلَةِ زَمَانِنَا، انْتَهَى. .

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْبَاجِيُّ إذَا ارْتَفَعَ الْخَوْفُ مِنْ الثَّغْرِ لِقُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِهِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعَدُوِّ زَالَ حُكْمُ الرِّبَاطِ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ جَعَلَ شَيْئًا فِي السَّبِيلِ لَا يَجْعَلُهُ بِجُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ الَّذِي كَانَ بِهَا قَدْ ذَهَبَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ رَوَى إذَا نَزَلَ الْعَدُوُّ بِمَوْضِعٍ مَرَّةً فَهُوَ رِبَاطٌ أَرْبَعِينَ سَنَةً، انْتَهَى.

وَالْمَوَاحِيزُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ النَّوَاحِي جَمْعُ مَاحُوزٍ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ: وَلَا بَأْسَ بِالطَّوَى مِنْ مَاحُوزٍ إلَى مَاحُوزٍ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ خُذْ بَعْثِي وَآخُذُ بَعْثَكَ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ: مَاحُوزٍ إلَى مَاحُوزٍ أَيْ مِنْ نَاحِيَةٍ إلَى نَاحِيَةٍ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَالطَّوِيُّ الْمُبَادَلَةُ، انْتَهَى.

وَجُدَّةُ هِيَ الْآنَ سَاحِلُ مَكَّةَ الْأَعْظَمُ، وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلُ مَنْ جَعَلَهَا سَاحِلًا بَعْدَ أَنْ شَاوَرَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ لَمَّا سُئِلَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَتْ الشُّعْبِيَّةُ سَاحِلَ مَكَّةَ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَارِيخِهِ عَنْ الْفَاكِهِيِّ بِسَنَدِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَكَّةُ رِبَاطٌ وَجُدَّةُ جِهَادٌ» وَعَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ إنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ يَكُونَ فَضْلُ رِبَاطِ جُدَّةَ عَلَى سَائِرِ الْمَرَابِطِ كَفَضْلِ مَكَّةَ عَلَى سَائِرِ الْبِلَادِ، وَعَنْ ضَوْءِ بْنِ فَخْرٍ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا فِي أَفْضَلِ الْمَجَالِسِ وَأَشْرَفِهَا، قَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ جُدَّةَ الصَّلَاةُ فِيهَا بِسَبْعَةَ عَشْرَ أَلْفَ أَلْفِ صَلَاةٍ، وَالدِّرْهَمُ فِيهَا بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَأَعْمَالُهَا بِقَدْرِ ذَلِكَ، يُغْفَرُ لِلنَّاظِرِ مَدَّ بَصَرِهِ، قَالَ: قُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ مِمَّا يَلِي الْبَحْرَ، قَالَ: مِمَّا يَلِي الْبَحْرَ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: جَاءَنَا فَرْقَدٌ السِّنْجِيُّ بِجُدَّةِ، فَقَالَ: إنِّي رَجُلٌ أَقْرَأُ هَذِهِ الْكُتُبَ، وَإِنِّي لَأَجِدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>