كَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنْ يُعْطَى الْكَافِرُ دِرْهَمًا فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ إذَا كَانَتْ آيَةً تَامَّةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا إذَا كَانَ فِيهِ اسْمُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ تَكُنْ الدَّرَاهِمُ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا ضُرِبَتْ دَرَاهِمُ الْإِسْلَامِ فِي أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، انْتَهَى. مِنْ التَّوْضِيحِ.
ص (وَفِرَارًا إنْ بَلَغَ الْمُسْلِمُونَ النِّصْفَ)
ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَلَوْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ الْمُلَاقَاةِ قَدْرَ ثُلُثِ الْكُفَّارِ فَفَرَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ طَائِفَةٌ فَزَادَ الْكُفَّارُ عَلَى مِثْلَيْهِمْ جَازَ الْفِرَارُ لِلْبَاقِينَ، وَيَخْتَصُّ الْعِصْيَانُ بِالْأَوَّلِينَ دُونَ الْبَاقِينَ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: قَدْرَ ثُلُثِ الْكُفَّارِ لَعَلَّهُ نِصْفُ الْكُفَّارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِهِ: فَبَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ - يَعْنِي يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ - هَذَا الْحُكْمُ خَاصٌّ بِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ إبَاحَةِ الْفِرَارِ عِنْدَ مِثْلَيْ الْعَدُوِّ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَعَلَى مُقْتَضَى بَيْعَةِ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ لَا فِرَارَ أَصْلًا فَهُوَ خَاصٌّ بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ لَا أُبَايِعُ عَلَى هَذَا أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، انْتَهَى.
وَفِي قَوْلِهِ: خَاصٌّ بِهِمْ نَظَرٌ. وَانْظُرْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَّفِقَ طَائِفَةٌ وَتَتَعَاهَدَ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا، ثُمَّ قَالَ فِي الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ فَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْجُبْنِ، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْقُوَّةُ وَالتَّكَاثُرُ دُونَ تَعْيِينِ الْعَدَدِ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَكْثَرُ فَلَا تَفِرُّ الْمِائَةُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ، وَإِنْ كَانُوا أَشَدُّ جَلَدًا وَأَكْثَرُ سِلَاحًا (قُلْت) وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ الْآيَةِ، انْتَهَى.
(الثَّانِي) قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ: إنْ قِيلَ كَيْفَ فَرَّ الصَّحَابَةُ يَوْمَ حُنَيْنٍ، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ (قُلْنَا) لَمْ يُجْمَعْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ إلَّا فِي يَوْمِ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: ١٦] إشَارَةً لِيَوْمِ بَدْرٍ، ثُمَّ نَزَلَ التَّخْفِيفُ فِي الْفَارِّينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} [التوبة: ٢٥] الْآيَةَ، وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ سَلَّامٍ كَانَ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ مِنْ الْكَبَائِرِ فِي مَلْحَمَةِ الرُّومِ الْكُبْرَى عِنْدَ الدَّجَّالِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ رَجَعُوا وَقَاتَلُوا حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، انْتَهَى.
(فَرْعٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَالَ عِيَاضٌ وَلَمْ يُخْتَلَفْ أَنَّهُ مَتَى جُهِلَ مَنْزِلَةُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فِي مُرَاعَاةِ الْعَدَدِ لَمْ يَجُزْ الْفِرَارُ، انْتَهَى.
ص (إلَّا تَحَرُّفًا أَوْ تَحَيُّزًا إنْ خِيفَ)
ش: يَعْنِي أَنَّ التَّحَرُّفَ وَالتَّحَيُّزَ يَجُوزُ إنْ كَانَ الْكُفَّارُ أَقَلَّ مِنْ ضِعْفَيْهِمْ، وَهَذَا إذَا كَانَ انْحِيَازُهُمْ إلَى فِئَةٍ خَرَجُوا مَعَهُمْ، أَمَّا لَوْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ بِلَادِ الْأَمِيرِ، وَالْأَمِيرُ مُقِيمٌ فِي بِلَادِهِ، فَلَا يَكُونُ فِئَةٌ لَهُمْ يَنْحَازُونَ إلَيْهِ، وَذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ، وَقَوْلُهُ: إنْ خِيفَ قَيْدٌ فِي التَّحَيُّزِ لَا فِي التَّحَرُّفِ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ قَوْلُهُ إنْ خِيفَ قَيْدٌ فِي هَذَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) يَحْرُمُ الْغَدْرُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ الْخِدَاعُ فِي الْحَرْبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَالْمُثْلَةُ)
ش: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ أَيْ يَحْرُمُ أَنْ يُمَثِّلَ بِالْمَقْتُولِ، قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَالْمُثْلَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي السُّنَّةِ