للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْتَهَى. وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ حَجَرٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ. (قُلْتُ) : وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ فِي حَدِيثِ جُرَيْجٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى فَيَتَّجِهُ حُجَّةً عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَا وَتَصْحِيحٌ لِتَأْوِيلِ اخْتِصَاصِهَا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، فَتَحَصَّلَ مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ، وَاخْتُلِفَ فِي اخْتِصَاصِهَا بِهِ وَالصَّحِيحُ عَدَمُ اخْتِصَاصِهَا.

وَالسِّيمَا بِكَسْرِ السِّينِ وَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ: الْعَلَامَةُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْأَصِيلِيِّ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(الرَّابِعَةُ) الْوُضُوءُ فِي الشَّرْعِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَرْضٌ، وَمُسْتَحَبٌّ، وَمُبَاحٌ، وَمَمْنُوعٌ. (فَالْوُضُوءُ الْفَرْضُ) لِكُلِّ عِبَادَةٍ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ فَرْضُهُمَا وَنَفْلُهُمَا وَلَمْسُ الْمُصْحَفِ، وَقِيلَ: إنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّفْلِ مِنْهُمَا وَمَسَّ الْمُصْحَفِ سُنَّةٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَرُدَّ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ تَعَمُّدَ فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ طَهَارَةٍ مَعْصِيَةٌ وَأَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ تِلْكَ النَّافِلَةُ وَلَا يَلْزَمُ قَضَاؤُهَا بَلْ عَدَّ الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ فِيمَا يَكْفُرُ بِهِ فِعْلَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ، (وَالْمُسْتَحَبُّ) الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إذَا كَانَ قَدْ فُعِلَتْ بِهِ عِبَادَةٌ، وَقِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ وَوُضُوءُ الْإِمَامِ لِخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ، وَقِيلَ: فَرِيضَةٌ وَالْوُضُوءُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةُ وَلِلنَّوْمِ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا، وَقِيلَ: إنَّ وُضُوءَ الْجُنُبِ لِلنَّوْمِ سُنَّةٌ وَلِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ظَاهِرًا، وَلِقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ وَلِاسْتِمَاعِهِمَا، وَلِلدُّعَاءِ، وَالْمُنَاجَاةِ، وَلِلذِّكْرِ، وَلِصَاحِبِ السَّلَسِ، وَمِنْهُ الْمُسْتَحَاضَةُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا كَانَ إتْيَانُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ انْقِطَاعِهِ أَوْ تَسَاوَيَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلِأَعْمَالِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلِّهَا مَا عَدَا الطَّوَافَ وَالصَّلَاةَ فَيَجِبُ لِذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَلَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ إلَّا عِنْدَ الْأَكْلِ خِلَافًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ قَالَ الْبَاجِيُّ وَالْمَازِرِيُّ: وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ فِي أَمْرِ الْجُنُبِ بِالْوُضُوءِ لِلْأَكْلِ عِنْدَنَا عَلَى غَسْلِ الْيَدِ وَهَلْ ذَلِكَ لِأَذًى أَصَابَهَا؟ (وَالْمُبَاحُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوَاعِدِهِ: هُوَ الْوُضُوءُ لِلدُّخُولِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَلِرُكُوبِ الْبَحْرِ وَشِبْهِهِ مِنْ الْمَخَاوِفِ، وَلِيَكُونَ الشَّخْصُ عَلَى طَهَارَةٍ وَلَا يُرِيدُ بِهِ صَلَاةً يَعْنِي اسْتِبَاحَةَ صَلَاةٍ يُرِيدُ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَمْنَعُهُ الْحَدَثُ. ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ فِي هَذَا كُلِّهِ: إنَّهُ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ. (قُلْتُ) وَجَزَمَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي قَوَانِينِهِ بِاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لِذَلِكَ وَزَادَ وَلِقِرَاءَةِ الْعِلْمِ.

قَالَ: وَالْمُبَاحُ الْوُضُوءُ لِلتَّنْظِيفِ وَالتَّبَرُّدِ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ بِاسْتِحْبَابِهِ لِتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَقَالَ الشَّبِيبِيُّ: مِنْ الْمُبَاحِ الْوُضُوءُ لِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمِهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ فِي هَذَا كُلِّهِ الِاسْتِحْبَابُ مَا عَدَا التَّنْظِيفَ وَالتَّبَرُّدَ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ التَّنْظِيفَ وَإِنْ كَانَ مَطْلُوبًا شَرْعًا لَمْ يُطْلَبْ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِخُصُوصِهَا لَهُ.

وَحَدِيثُ «بُنِيَ الدِّينُ عَلَى النَّظَافَةِ» ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ هَكَذَا وَفِي الضُّعَفَاءِ لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «تَنَظَّفُوا فَإِنَّ الْإِسْلَامَ نَظِيفٌ» وَلِلطَّبَرَانِيِّ سَنَدٌ ضَعِيفٌ جِدًّا «النَّظَافَةُ تَدْعُو إلَى الْإِيمَانِ» انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَاب الِاسْتِئْذَانِ مِنْ سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ» الْحَدِيثَ. وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَفِيهِ خَالِدُ بْنُ إيَاسٍ وَهُوَ مُضَعَّفٌ (وَالْوُضُوءُ الْمَمْنُوعُ) هُوَ الْمُحَدَّدُ قَبْلَ أَنْ تُفْعَلَ بِهِ عِبَادَةٌ، وَالْوُضُوءُ لِغَيْرِ مَا شُرِّعَ لَهُ الْوُضُوءُ أَوْ أُبِيحَ. وَجَعَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَابْنُ جُزَيٍّ وَالشَّبِيبِيُّ الْوُضُوءَ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ وَزَادُوا الْوُضُوءَ الْمَسْنُونَ وَعَدُّوا فِيهِ وُضُوءَ الْجُنُبِ لِلنَّوْمِ، وَزَادَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَوُضُوءَ النَّافِلَةِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْأَوَّلَيْنِ الِاسْتِحْبَابُ، وَفِي وُضُوءِ النَّافِلَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ الْفَرِيضَةُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ فَلِذَلِكَ تَرَكْتُ هَذَا الْقِسْمَ. وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ: الْوُضُوءُ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ فَرِيضَةٌ بِلَا خِلَافٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>