للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَطْعِمُوهُمْ مِثْلَ مَا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُمْ مِثْلَ مَا تَكْتَسُونَ، وَإِنَّمَا قَالَ: مِمَّا تَأْكُلُونَ وَمِمَّا تَلْبَسُونَ، فَإِذَا أَطْعَمَهُ وَكَسَاهُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ بَعْضِ مَا يَأْكُلُ مِنْ الْخُبْزِ وَالْإِدَامِ وَيَلْبَسُ مِنْ الصُّوفِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ فَقَدْ شَارَكَهُ فِي مَطْعَمِهِ وَمَلْبَسِهِ، وَامْتَثَلَ بِذَلِكَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَإِنْ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مَلْبَسُهُ مِثْلَ مَلْبَسِهِ وَمَطْعَمُهُ مِثْلَ مَطْعَمِهِ سَوَاءٌ فَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْآثَارُ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَهَا تَعَارُضٌ، وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْجَامِعِ أَيَصْلُحُ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مِنْ طَعَامٍ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ عِيَالُهُ وَرَقِيقُهُ وَيَلْبَسُ ثِيَابًا لَا يَكْسُوهُمْ مِثْلَهَا، قَالَ إي وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ فِي سَعَةٍ فَقِيلَ لَهُ أَرَأَيْتَ مَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ الْقُوتُ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَدَوَابِّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْعًى يُرِيدُ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَرْعَى يَكْفِيهَا، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَيَجِبُ عَلَى رَبِّ الدَّوَابِّ عَلَفُهَا أَوْ رَعْيُهَا إنْ كَانَ فِي رَعْيِهَا مَا يَقُومُ بِهَا، وَقَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَرْعَى يَكْفِيهَا؛ فَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَاهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِأُجْرَةٍ، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ وَنَقَلَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ مَا يُخَالِفُهُ وَنَاقَشَهُ فِي ذَلِكَ وَاسْتَصْوَبَ مَا قَالَهُ أَبُو عُمَرَ، وَلْنَذْكُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَصْلِهِ وَمُنَاقَشَةَ ابْنِ عَرَفَةَ لَهُ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إثْرَ قَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْعَبْدِ: وَيُقْضَى لِلْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ إنْ قَصَّرَ عَمَّا يَجِبُ لَهُ بِالْمَعْرُوفِ فِي مَطْعَمِهِ وَمَلْبَسِهِ، بِخِلَافِ مَا يَأْكُلُهُ مِنْ الْبَهَائِمِ؛ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي تَرْكِ ذَلِكَ عَنْهَا، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِعَلَفِهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى الرَّجُلِ بِعَلَفِ دَابَّتِهِ كَمَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ عَبْدِهِ لِمَا جَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ حَائِطَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَقَّ لَهُ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَرْوَهُ وَذِفْرَيْهِ حَتَّى سَكَنَ ثُمَّ قَالَ: مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ فَجَاءَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إيَّاهَا؛ فَإِنَّهُ شَكَا إلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ» وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ أَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ تَجِبُ عَلَيْهِ الْحُقُوقُ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَغَيْرِهَا فَكَمَا يُقْضَى عَلَيْهِ يُقْضَى لَهُ، وَالدَّابَّةُ غَيْرُ مُكَلَّفَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا حَقٌّ، وَلَا يَلْزَمُهَا جِنَايَةٌ فَكَمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهَا لَا يُقْضَى لَهَا، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ بِلَفْظِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِرُمَّتِهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْت: تَعَذُّرُ شَكْوَى الدَّابَّةِ يُوجِبُ أَحْرَوِيَّةَ الْقَضَاءِ لَهَا، وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ فِي الْعَبْدِ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ وَيُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يَعْلِفَ دَابَّتَهُ أَوْ يَرْعَاهَا إنْ كَانَ فِي رَعْيِهَا مَا يَكْفِيهَا أَوْ يَبِيعَهَا أَوْ يَذْبَحَ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ، وَلَا يُتْرَكُ يُعَذِّبُهَا بِالْجُوعِ، قُلْت: وَلَازِمُ هَذَا الْقَضَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَتَغْيِيرُ الْمُنْكَرِ وَاجِبُ الْقَضَاءِ بِهِ، وَهَذَا أَصْوَبُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ، وَقَوْلُهُ: مَسَحَ سَرْوَهُ أَيْ ظَهْرَهُ (الْجَوْهَرِيُّ) سَرَاةُ كُلِّ شَيْءٍ ظَهْرُهُ وَوَسَطُهُ، وَالْجَمْعُ سَرَوَاتٌ، وَالذَّفَرُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (الْجَوْهَرِيُّ) هُوَ الْمَوْضِعُ خَلْفَ أُذُنِ الْبَعِيرِ أَوَّلُ مَا يَعْرَقُ مِنْهُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ بِلَفْظِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ وَإِلَّا بِيعَ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَى رَقِيقِهِ أَوْ عَلَى دَابَّتِهِ حَيْثُ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يُبَاعُونَ عَلَيْهِ، يُرِيدُ إلَّا الْحَيَوَانَ الْمَأْكُولَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بَلْ يُخَيَّرُ بَيْنَ الذَّبْحِ وَالْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ أَبِي عُمَرَ، وَمَا قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا، وَنَصُّ الْجَوَاهِرِ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: فَإِنْ أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْعَلَفُ؛ فَإِنْ لَمْ يَعْلِفْ أُمِرَ بِأَنْ يَذْبَحَهَا أَوْ يَبِيعَهَا إنْ كَانَتْ يَجُوزُ أَكْلُهَا، وَلَا يُتْرَكُ وَتَعْذِيبَهَا بِالْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ، انْتَهَى.

(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) نَفَقَةُ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى قَدْرِ الْأَنْصِبَاءِ، وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَالْمُشْتَرَكِ، وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعْتَقُ إلَى أَجَلٍ كَالْقِنِّ، وَالْمُخْدِمُ الْمَشْهُورُ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، وَقِيلَ: عَلَى سَيِّدِهِ، وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْخِدْمَةُ يَسِيرَةً فَعَلَى السَّيِّدِ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ، انْتَهَى بِالْمَعْنَى مِنْ ابْنِ عَرَفَةَ.

(الثَّانِي) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قَالَ ابْنُ حَارِثٍ اُخْتُلِفَ فِي الْأَمَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ تَكُونُ حَامِلًا مِمَّنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>