للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَمْنَعُ بَعْضُهُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى بَعْضٍ فَإِذَا حَرَّكَ ذَلِكَ حَصَلَ اسْتِيعَابُ جَمِيعِ ظَاهِرِهِ انْتَهَى. وَهَذَا التَّحْرِيكُ غَيْرُ التَّخْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي التَّخْلِيلِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَصِفَةُ التَّحْرِيكِ هُوَ أَنْ يُدَافِعَ مَا انْصَبَّ مِنْ الْمَاءِ عَلَيْهَا حَتَّى يُدَاخِلَهَا مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ بِالْأَصَابِعِ: وَلَفْظُ النَّوَادِرِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: مَعْنَى تَحْرِيكِهَا تَحْرِيكُ الْيَدِ عَلَيْهَا عِنْدَ مُرُورِ الْيَدِ عَلَيْهَا لِيُدَاخِلَهَا الْمَاءُ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ يَنْبُو عَنْهُ الْمَاءُ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: يَنْبُو أَيْ يَنْدَفِعُ وَيَتَبَاعَدُ.

(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) قَالَ فِي النَّوَادِرِ: قَالَ سَحْنُونٌ: وَمَنْ لَمْ يُمِرَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ أَعَادَ وَلَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ انْتَهَى. (الثَّانِي) إذَا كَانَ عَلَى الشَّعْرِ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ وَجَبَ إزَالَتُهُ فَإِنْ لَمْ يُزِلْهُ ثُمَّ قَصَّ الشَّعْرَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْحَائِلُ هَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ.

(الثَّالِثُ) قَالَ الْجُزُولِيُّ وَالشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِيُسْتَكْمَلَ غَسْلُ الْوَجْهِ، كَمَا يَجِبُ مَسْحُ بَعْضِ الْوَجْهِ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ لِيَسْتَكْمِلَ مَسْحَ رَأْسِهِ وَهُمَا مِنْ بَابِ مَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ انْتَهَى بِالْمَعْنَى. وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ كَأَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَعْزُهُ لِابْنِ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُحَرِّكُ اللِّحْيَةَ فِي الْوُضُوءِ وَيُمِرُّ يَدَهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَلْ يَغْسِلُ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ لِيَتَحَقَّقَ تَعْمِيمُ الْوَجْهِ أَمْ لَا؟ قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْوَجْهِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ اتِّفَاقًا إذَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ رَأْسِهِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ.

وَأَجَبْتُهُ بِأَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْوَجْهُ إلَّا بَعْدَ مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ. وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْحِ الْجَبِيرَةِ: إذَا بَرِئَتْ وَنَسِيَ غَسْلَهَا انْتَهَى. وَيَعْنِي بِشَيْخِهِ الْبُرْزُلِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ وَهُوَ أَحَدُ نَقْلَيْ شُيُوخِنَا وَهُمَا جَارِيَانِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأُصُولِيِّينَ فِيمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ، فَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا؟ وَكَذَا اُخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ إمْسَاكُ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصَّوْمِ؟ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَأَصْلُهُ لِابْنِ هَارُونَ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ " وَمَبْدَؤُهُ مِنْ مَبْدَأِ الْوَجْهِ ": هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ الرَّأْسِ لِاسْتِيعَابِ الْوَجْهِ كَمَا لَا يَجِبُ مَسْحُ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ لِاسْتِيعَابِ الرَّأْسِ، فَأَوْجَبَهُ بَعْضُهُمْ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ دُونَ مَسْحِ الرَّأْسِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قُلْتُ) وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ (الرَّابِعُ) قَالَ فِي الرِّسَالَةِ فِي صِفَةِ غَسْلِ الْوَجْهِ غَاسِلًا لَهُ مِنْ أَعْلَى جَبْهَتِهِ: قَالَ شَارِحُهَا الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنِ شَعْبَانَ: السُّنَّةُ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ أَوَّلِهَا، فَإِنْ بَدَأَ مِنْ أَسْفَلِهَا أَجْزَأَهُ، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا لِيمَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا عُلِّمَ، وَعَدَّ صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ تَرْتِيبَ أَعْلَى الْعُضْوِ عَلَى أَسْفَلِهِ وَسَيَأْتِي فِي غَسْلِ الْيَدِ نَحْوُهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ، وَعَدَّ فِي اللُّمَعِ فِي فَضَائِلِ الْوُضُوءِ أَنْ يَبْدَأَ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَوَّلِهِ وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ. (الْخَامِسُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلْعَامَّةِ فِي الْوُضُوءِ أُمُورٌ مِنْهَا صَبُّ الْمَاءِ مِنْ دُونِ الْجَبْهَةِ وَهُوَ مُبْطَلٌ، وَنَفْضُ الْيَدِ قَبْلَ إيصَالِ الْمَاءِ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ «إذَا تَوَضَّأْتُمْ فَلَا تَنْفُضُوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنَّهَا مَرَاوِحُ لِلشَّيْطَانِ» قَالَ الدَّمِيرِيُّ: لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ وَهُوَ جَهْلٌ لَا يَضُرُّ. وَالتَّكْبِيرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَنْكَرَهُ فِي مَرَاقِي الزَّلَفِ، وَالتَّشَهُّدُ وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: لَمْ يَقُلْ بِهِ إلَّا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ قَالَ: وَالْأَذْكَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْأَعْضَاءِ لَا أَصْلَ لَهَا وَأَنْكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنْ يَكُونَ فِي الْوُضُوءِ ذِكْرٌ غَيْرُ التَّسْمِيَةِ أَوَّلَهُ وَالتَّشَهُّدُ آخِرَهُ، نَعَمْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «قَالَ عَلَى وُضُوئِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ مِنْ خَيْرٍ؟» فَتَرْجَمَ النَّسَائِيُّ لِذَلِكَ فَقَالَ: بَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>