للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَارَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ، وَلَوْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ مُشْكِلًا؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْأُمَّ إذَا تَزَوَّجَتْ يَلْزَمُ الْأَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمُرْضِعَةِ تُرْضِعُهُ عِنْدَ أُمِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا قَدْ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْحَضَانَةَ لِلْأُمِّ قَالَ: إلَّا أَنْ تَتَزَوَّجَ الْأُمُّ وَالْوَلَدُ صَغِيرٌ يَرْضَعُ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ إذَا دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا انْتَزَعَهُ مِنْهَا لَا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يُرَدُّ إلَيْهَا إذَا طَلُقَتْ.

ص (وَلَا تَعُودُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ فَسْخِ الْفَاسِدِ)

ش: وَأَمَّا إذَا سَافَرَ وَلِيُّ الْمَحْضُونِ سَفَرَ نُقْلَةٍ وَأَخَذَ الْوَلَدَ ثُمَّ رَجَعَ، فَإِنَّ الْحَضَانَةَ تَعُودُ إلَى الْأُمِّ، نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ سَافَرَتْ هِيَ ثُمَّ رَجَعَتْ. قَالَ: إنْ كَانَ سَفَرُهَا اخْتِيَارًا لَمْ تَعُدْ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا عَادَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ لَحِقَتْهَا ضَرُورَةٌ إلَى التَّزْوِيجِ. قَالَ: تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا، انْتَهَى.

ص (أَوْ الْإِسْقَاطِ)

ش: يَعْنِي أَنَّ الْحَاضِنَةَ إذَا أَسْقَطَتْ حَضَانَتَهَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا، وَهَذَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ وُجُوبِ الْحَضَانَةِ، وَأَمَّا إنْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ وَتَسْلِيمِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الشِّرَاءِ: قَالَ لِي ابْنُ عَرَفَةَ الْفَتْوَى عِنْدَنَا فِيمَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ تُسْقِطَ هِيَ وَأُمُّهَا الْحَضَانَةَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ فِي الْجَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا لَمْ يَجِبْ لَهَا، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ قَالَ الْمُبْتَاعُ قَبْلَ الشِّرَاءِ اشْتَرِ لِي فَقَدْ أَسْلَمْتُ لَكَ الشُّفْعَةَ وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ فَلَهُ الْقِيَامُ بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ، قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَلَى مَا بَلَغَنِي يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا بِهِ الْفَتْوَى أَنَّ مَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى إنْ أَسْقَطَتْ هِيَ وَأُمُّهَا الْحَضَانَةَ أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ فِي الْجَدَّةِ؛ لِأَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا لَمْ يَجِبْ لَهَا وَفِيهَا خِلَافٌ، انْتَهَى. ثُمَّ قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: قَالَ الْمُتَيْطِيُّ ذَكَرَ ابْنُ الْعَطَّارِ فِي وَثَائِقِهِ فِي عَقْدِ تَسْلِيمِ الْأُمِّ ابْنَهَا إلَى أَبِيهِ: وَعَلَى إنْ سَلَّمَتْ إلَيْهِ ابْنَهَا مِنْهُ وَأَسْقَطَتْ حَضَانَتَهَا فِيهِ وَقَطَعَتْ أُمُّهَا فُلَانَةُ أَوْ أُخْتُهَا فُلَانَةُ حُجَّتَهَا فِيمَا كَانَ رَاجِعًا إلَيْهَا مِنْ حَضَانَتِهَا، وَانْتَقَدَ ذَلِكَ ابْنُ الْفَخَّارِ وَقَالَ: الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: ثُمَّ قَطَعَتْ حُجَّتَهَا فِيمَا كَانَ رَاجِعًا إلَيْهَا مِنْ حَضَانَتِهَا، فَيَدُلُّ هَذَا اللَّفْظُ أَنَّ الْجَدَّةَ قَطَعَتْ حُجَّتَهَا بَعْدَ أَنْ وَجَبَ لَهَا ذَلِكَ، وَأَمَّا بِالْوَاوِ الَّتِي لَا تُفِيدُ رُتْبَةً فَكَأَنَّهَا قَطَعَتْ حُجَّتَهَا قَبْلَ وُجُوبِ الْحَضَانَةِ لَهَا، فَلَا يَلْزَمُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ وَتَفْرِقَةُ ابْنِ الْفَخَّارِ بَيْنَ الْعَاطِفَيْنِ ضَعِيفَةٌ فِي الْمَعْنَى فَتَأَمَّلْهُ، ثُمَّ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَهَذَا أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ كِتَابٍ مِنْهَا، انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي إسْقَاطِ الْحَضَانَةِ قَبْلَ وُجُوبِهَا عَدَمُ اللُّزُومِ، وَأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنْ يُسْقِطَ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ بَعْدَ الْأُمِّ حَضَانَتَهُ قَبْلَ وُجُوبِهَا كَالْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ مَثَلًا، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ إسْقَاطُ الْأُمِّ حَقَّهَا مِنْ الْحَضَانَةِ فِي حَالِ الْعِصْمَةِ، وَإِلَّا لَكَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْجَدَّةِ وَالْخَالَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، وَأَيْضًا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأُمَّ لَا حَضَانَةَ لَهَا فِي حَالِ الْعِصْمَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ لَهَا الْحَضَانَةُ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَأَحْرَى فِي حَالَةِ الْعِصْمَةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ فَقَالَ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْحَضَانَةِ وَمُسْتَحِقِّهَا وَأَبُو الْوَلَدِ زَوْجًا لَهَا، وَفِي افْتِرَاقِهِمَا أَصْنَافٌ: الْأَوَّلُ الْأُمُّ إلَخْ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَجَازَ لِلْأَبِ أَخْذَ وَلَدِهِ مِنْ أُمِّهِ فِي حَالِ الْعِصْمَةِ بَلْ ذَكَرَ اللَّخْمِيّ فِي الشُّرُوطِ النَّاقِضَةِ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَدُ عِنْدَهُمَا، وَأَنَّهُ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ فُسِخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَصَحَّ بَعْدَهُ وَسَقَطَ الشَّرْطُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَلَدَهَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ صَحِيحٌ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ مَنْ يَحْضُنُهُ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ النَّفَقَاتِ، حَيْثُ قَالَ: كَوَلَدٍ صَغِيرٍ لِأَحَدِهِمَا إنْ كَانَ لَهُ حَاضِنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ إثْرَ كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ: وَهَذَا الْخِلَافُ يَعْنِي فِيمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ الْحَضَانَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>