أَنْ لَا يَجِدَ السَّبِيلَ إلَى رَدِّهَا عَلَيْهِ حَيْثُ هِيَ لِعَدَمِ بَيِّنَةٍ، أَوْ حُكْمٍ، وَالسِّلْعَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَيْهَا فِي حَمْلِهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ رَوَى أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ دَعَاهُ صَاحِبُهَا إلَى رَدِّهَا كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا، أَوْ يَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ، وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً ثَقِيلَةً لَا بُدَّ مِنْ الْكِرَاءِ عَلَيْهَا فَلَمَّا حَمَلَهَا مِنْ دَارِ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي اُشْتُرِيَتْ بِهِ لِلْبَيْعِ إلَى دَارِهِ، وَجَدَ بِهَا عَيْبًا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اشْتَرَاهَا فِيهِ، أَوْ يُمْسِكَهَا، وَيَرْجِعَ بِالْعَيْبِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَهَا حَيْثُ هِيَ وَيَرُدَّ إلَيْهِ مَا غَرِمَ فِي حَمْلِهَا فَلَا يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُمْسِكَهَا وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ دَلَّسَ بِالْعَيْبِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْ دَارِ الْمُبْتَاعِ وَيَرُدَّ إلَيْهِ مَا غَرَّهُ عَلَى حَمْلِهَا؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ فِي ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ فِي حَمْلِ السِّلْعَةِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ دَلَّسَ لَهُ بِالْعَيْبِ، أَوْ لَمْ يُدَلِّسْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي الْخَابِيَةَ وَنَحْوَهَا إنَّمَا يَشْتَرِيهَا بِحَمْلِهَا إلَى دَارِهِ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَوَجَبَ أَنْ يُفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّدْلِيسِ وَغَيْرِهِ كَاَلَّذِي يَشْتَرِي الثَّوْبَ فَيُقَطِّعُهُ قِطَعَ مِثْلِهِ، ثُمَّ يَجِدُ عَيْبًا، وَقَدْ نَقَصَهُ الْقَطْعُ اهـ. فَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْمُدَلِّسِ وَغَيْرِهِ إلَّا فِي نَقْلِ السِّلْعَةِ فِي الْبَلَدِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ عَالِمًا بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْقُلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ، وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ فَيَتَّفِقُ النَّقْلَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
نَعَمْ كَلَامُ الْمُتَيْطِيِّ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ مُطْلَقٌ، وَإِنْ كَانَ يُتَلَمَّحُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ بِالْبَلَدِ فَانْظُرْهُ عَلَى نَحْوِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ بَطَّالٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ
ص (وَإِلَّا رُدَّ إنْ قَرُبَ وَإِلَّا فَاتَ)
ش: هَذَا نَحْوُ مَا نُقِلَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ غَيْرَ مُدَلِّسٍ، فَإِنْ حَمَلَ الْمَبِيعَ إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ إلَى حَيْثُ أَخَذَهُ، وَإِنْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ بَعِيدٍ كَانَ فَوْتًا يُوجِبُ لَهُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ اهـ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ السِّلْعَةِ مَعَ الْقُرْبِ وَنَحْوِهِ لِابْنِ يُونُسَ.
قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعُيُوبِ: قَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: وَلَوْ كَانَتْ سِلْعَةً فَأَدَّى فِي حَمْلِهَا ثَمَنًا، ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا لَكَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّ، أَوْ يُمْسِكَ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَعَيْبٍ حَدَثَ عِنْدَهُ.
قَالَ: وَلَوْ اشْتَرَاهَا فَحَمَلَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْبَائِعَ مُدَلِّسٌ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اشْتَرَاهَا فِيهِ لِتَدْلِيسِهِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: ذَلِكَ عَلَيْهِ كَالْإِقَالَةِ اهـ. فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْقُرْبِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ اللَّخْمِيِّ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ قَالَ إثْرَ كَلَامِهِ السَّابِقِ: وَيَخْتَلِفُ أَيْضًا إنْ لَمْ يُدَلِّسْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ نَقَلَ إلَى بَلَدٍ مَا فِي نَقْلِهِ لِبَلَدِ الْبَائِعِ غُرْمٌ كَثِيرٌ يَرْفَعُ إلَى سُلْطَانِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيَسْمَعُ بَيِّنَتَهُ عَلَى شِرَاءِ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ يُرِيدُ فِي الْجَارِيَةِ فَيَأْمُرُ بِبَيْعِ ذَلِكَ عَلَى بَائِعِهِ، وَلَهُ فَضْلُهُ، وَعَلَيْهِ نَقْصُهُ، وَعَلَى هَذَا إنْ نُقِلَتْ فِي الْبَلَدِ قَبَضَهَا حَيْثُ نُقِلَتْ، وَإِنْ لَمْ يُدَلِّسْ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَحْنُونٍ يَكُونُ نَقْلُهُ إلَى بَلَدِ الْآخَرِ فَوْتًا، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الْعَيْبِ، وَلَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فِي الْبَلَدِ الْآخَرِ، وَهُوَ أَحْسَنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَبْدًا، أَوْ دَابَّةً لَا يَتَكَلَّفُ فِي رُجُوعِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute