للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَوْ غَسَلَهُ أَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا غَسْلُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَلَا مَوْضِعِ الْقِشْرَةِ، خِلَافًا لِلَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(السَّابِعُ) قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَأَمَّا مَا يَنْبُتُ بِإِزَاءِ الظُّفْرِ الَّذِي يُسَمَّى بِالسَّيْفِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَحَلِّهِ إذَا زَالَ، بِذَلِكَ أَفْتَى شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ وَقَالَ لِلسَّائِلِ: بِهَذَا قَالَ صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي زَيْدٍ إذْ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عِنْدَ دَارِ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ الْمَدْفُونِ بِهَا نَفَعَنَا اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِ، وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ لَا يُجِيزُ فِي هَذِهِ لِنُدُورِ مَسْأَلَتِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِ مَسْأَلَتِنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

ص (وَالدَّلْكُ)

ش: لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ الْفَرَائِضِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى الْفَرَائِضِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَبَدَأَ مِنْهَا بِالدَّلْكِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَةِ الْغَسْلِ وَلِهَذَا لَمْ يَعُدَّهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فَرِيضَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ ذَكَرَهُ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ وَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الدَّلْكَ فَرْضٌ فِي مَغْسُولِ الْوُضُوءِ جَمِيعِهِ: الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، بِخِلَافِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهَذِهِ هِيَ الْفَرِيضَةُ الْخَامِسَةُ مِنْ فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الدَّلْكِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ لَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ؟ الْمَشْهُورُ الْوُجُوبُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حُصُولِ مُسَمَّى الْغَسْلِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «وَادْلُكِي جَسَدَكِ بِيَدِكِ» وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلِأَنَّ عِلَّتَهُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَسَدِهِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى غَسْلًا، وَقَدْ فَرَّقَ أَهْلُ اللُّغَةِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالِانْغِمَاسِ، وَالثَّانِي نَفْيُ وُجُوبِهِ لِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ اسْمِ الْغَسْلِ بِدُونِهِ.

وَالثَّالِثُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا لِنَفْسِهِ بَلْ لِتَحَقُّقِ إيصَالِ الْمَاءِ فَمَنْ تَحَقَّقَ إيصَالَ الْمَاءِ لِطُولِ مُكْثٍ أَجْزَأَهُ وَعَزَاهُ اللَّخْمِيُّ لِأَبِي الْفَرَجِ وَذَكَرَ ابْنُ نَاجِي أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ عَزَاهُ لَهُ وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ لِأَبِي الْفَرَجِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا رَاجِعٌ إلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الدَّلْكِ، وَالْخِلَافُ فِي الْغَسْلِ كَالْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغَسْلِ فَقَطْ دُونَ الْوُضُوءِ أَيْ فَيَجِبُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ نَاجِي: وَحَكَى الْمِسْنَاوِيُّ قَوْلًا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَا أَعْرِفُهُ فَيَتَحَصَّلُ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ.

(قُلْتُ) بَلْ خَمْسَةٌ وَالْخَامِسُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغَسْلِ، وَإِنْكَارُ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ عَجِيبٌ فَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: التَّدَلُّكُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاجِبٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْمَالِكِيِّ وَغَيْرُهُ: مُسْتَحَبٌّ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ. وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُمْ يُطْلِقُونَ الْمُسْتَحَبَّ عَلَى السُّنَّةِ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْمُوَالَاةِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ حَكَى ابْنُ بَطَّالٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّدَلُّكِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ. الشَّيْخُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ فِيهَا فَاغْسِلُوا وَآيَةَ الْغُسْلِ فِيهَا فَاطَّهَّرُوا، وَأَحَادِيثُ الْوُضُوءِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّدَلُّكِ وَأَحَادِيثُ الْغُسْلِ إنَّمَا فِيهَا أَفَاضَ الْمَاءَ وَاغْتَسَلَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: إنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ بَشِيرٍ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغُسْلِ فَقَطْ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْبَعَةُ فُرُوعٍ: حَقِيقَةُ الدَّلْكِ وَمُقَارَنَتُهُ لِلْمَاءِ وَالِاسْتِنَابَةُ فِيهِ وَنَقْلُ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ.

(فَرْعٌ) فَأَمَّا حَقِيقَةُ الدَّلْكِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَهِيَ إمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي نَهْرٍ يَنْوِي بِهِ الْغُسْلَ لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يَمُرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ وَكَذَلِكَ لَا يُجْزِيهِ الْوُضُوءُ حَتَّى يَمُرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيّ فِي بَابِ الْغُسْلِ: وَعَلَى الْمُغْتَسِلِ وَالْمُتَوَضِّئِ أَنْ يُمِرَّ الْيَدَ مَعَ الْمَاءِ فِي حِينِ غُسْلِهِ وَوُضُوئِهِ، فَإِنْ انْغَمَسَ فِي الْمَاءِ حِينَ غُسْلِهِ أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ أَوْ غَمَسَهَا فِي الْمَاءِ وَلَمْ يُمِرَّ الْيَدَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ عِنْدَ مَالِكٍ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي الْفَرَجِ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا لِنَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ سَيِّدِي الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ: فَيُفْرِغُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>