للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ هَارُونَ سَادِسًا كَمَا قُلْنَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ يُطْلِقُونَ عَلَى السُّنَّةِ الِاسْتِحْبَابَ، وَالسَّابِعُ وَاجِبَةٌ إذَا تَوَضَّأَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرُ وَاجِبَةٍ إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ حَكَاهُ ابْنُ جَمَاعَةَ وَحَكَى ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّوْضِيحِ الْخَمْسَةَ الْأُوَلَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَبَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَحْكِي الْخَمْسَةَ الْأَقْوَالَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ فِي حُكْمِهَا ابْتِدَاءً وَابْنُ الْحَاجِبِ ذَكَرَ الْخِلَافَ أَوَّلًا فِي حُكْمِهَا بِالسُّنِّيَّةِ وَالْوُجُوبِ ثُمَّ حَكَى فِيهَا الْخِلَافَ إذَا نَزَلَ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ وَالْقَوْلَ بِالسُّنِّيَّةِ انْتَهَى.

قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: وَأَقْوَى مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ لِلْوُجُوبِ ظَاهِرُ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعَطْفَ بِالْفَاءِ يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ وَعَطْفُ الْأَعْضَاءِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِالْوَاوِ يَقْتَضِي جَعْلَهَا فِي حُكْمِ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا هَذِهِ الْأَعْضَاءَ.

(قُلْتُ) وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْآيَةِ لِلْفَوْرِ وَبِأَنَّ الْخِطَابَ وَرَدَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَمِنْ حَقِّ الْجَزَاءِ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ الشَّرْطِ، وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ» فَنَفَى الْقَبُولَ عِنْدَ انْتِفَائِهِ قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَرَّةٌ مَرَّةً عَلَى الصَّحِيحِ لَا إلَيْهِ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْقُيُودِ وَإِلَّا لَانْدَرَجَ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ الْمَخْصُوصُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَكَانُ وَالزَّمَانُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ثُمَّ قَالَ: وَلَك أَنْ تَقُولَ: الْإِشَارَةُ إلَى الْمَجْمُوعِ فَإِنْ خَرَجَ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ بَقِيَ الْحَدِيثُ مُتَنَاوِلًا لِصُورَةِ النِّزَاعِ، أَمَّا إسْقَاطُ الْوُجُوبِ مَعَ النِّسْيَانِ فَلِضَعْفِ مَدْرَكِ الْوُجُوبِ بِالْمُتَأَكِّدِ بِالنِّسْيَانِ، وَالْكَلَامُ فِي الِاسْتِدْلَالِ وِرْدُهُ يَطُولُ.

(قُلْتُ) فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ فَرَّقَ الطَّهَارَةَ عَامِدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ أَبَدًا، وَمَنْ فَرَّقَهَا نَاسِيًا أَوْ عَاجِزًا بَنَى، وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّهَا سُنَّةٌ فَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّعْبِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حُكْمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا.

(الثَّانِي) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ التَّفْرِيقَ عَمْدًا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ بَلْ التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ كَانَ عَمْدًا. قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيهِ (قُلْتُ) وَحَكَى الِاتِّفَاقَ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيّ عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ.

وَنَصُّهُ: وَأَمَّا التَّفْرِيقُ غَيْرُ الْمُتَفَاحِشِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا. قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَالتَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ مُغْتَفَرٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ انْتَهَى. وَحَكَى ابْنُ فَرْحُونٍ وَابْنُ نَاجِي وَغَيْرُهُمَا فِي ذَلِكَ خِلَافًا وَحَكَى صَاحِبُ الطِّرَازِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ وَقَالَ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ. قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ يَعْنِي إذَا فَرَّقَ الْوُضُوءَ تَفْرِيقًا يَسِيرًا فَهُوَ مُغْتَفَرٌ فَيَجُوزُ لَهُ الْبِنَاءُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُضُوئِهِ. وَحَكَى عَبْدُ الْوَهَّابِ فِيهِ الِاتِّفَاقَ وَابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِيمَا قَارَبَ الشَّيْءَ هَلْ يُعْطَى حُكْمُهُ أَمْ لَا؟ وَنَحْوَهُ حَكَى صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا قُلْنَا التَّفْرِيقُ الْمُؤَثِّرُ هُوَ الْعَمْدُ فَهَلْ يَسْتَوِي قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عُذْرٌ مَشْهُورُ؟ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يُحَرِّمُ الْمُوَالَاةَ وَحُكْمَ الْفَوْرِ لَا يُفْسِدُ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُغْتَسِلِ مِنْ الْجَنَابَةِ: إذَا مَسَّ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَائِهِ يَمُرُّ بِيَدَيْهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ وَيُجْزِيهِ وَهَذَا تَفْرِيقٌ فِي الْغُسْلِ، وَفِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَشَّفُ مِنْ وُضُوئِهِ قَبْلَ غَسْلِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ الْجَلَّابِ فِي تَفْرِيعِهِ: لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ الطَّهَارَةِ وَاسْتُدِلَّ لِلْأَوَّلِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَسَلَ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» وَبِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي وُضُوئِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اغْتَسَلَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمِّ فَتَرَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>