وَعَلَى الْمَشْهُورِ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا خَصَّهُ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ فَقَيَّدَ ذَلِكَ بَعْضُ الصَّقَلِّيِّينَ بِأَنْ لَا يُشْهِرَ ذَلِكَ وَلَا يُعْلِنَهُ، وَأَمَّا إنْ أَشْهَرَهُ فَلَا يَلْزَمُهُ اهـ.
وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ: وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي التِّجَارَةِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهَا جَازَ أَنْ يَتَّجِرَ بِالدَّيْنِ وَالنَّقْدِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ وَلَزِمَهُ مَا دَايَنَ بِهِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ بِالدَّيْنِ، أَوْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي التَّحْجِيرِ فِي الدَّيْنِ وَذَهَبَ سَحْنُونٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِالدَّيْنِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ بِهِ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ فِي التِّجَارَةِ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَنْوَاعِ إلَّا أَنْ يُشْهِرَ ذَلِكَ وَيُعْلِنَهُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فَلَا يَلْزَمُهُ، قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِ صِقِلِّيَّةَ، وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْمَعْنَى قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي النَّاسُ لِأَيِّ نَوْعِ التِّجَارَةِ أَقْعَدَهُ، قَالَ فِي أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ التَّفْلِيسِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَصَبَهُ لِلنَّاسِ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَعْلَمُونَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ: دَلِيلُ قَوْلِ أَصْبَغَ كَالْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ لَوْ أَعْلَنَ، وَأَشْهَرَ بِقَصْرِ إذْنِهِ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ اتَّجَرَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي مَالِهِ مَا دَايَنَ بِهِ وَيَدْخُلُ فِيهِ اخْتِلَافٌ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْجِيرِ فَعَلَى قَوْلِهَا: لَا يَحْجُرُ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا السُّلْطَانُ لَمْ يَنْفَعْهُ الْإِعْلَانُ بِقَصْرِ إذْنِهِ، وَيَأْتِي عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى عَبْدِهِ أَنَّ الْإِشْهَارَ يَنْفَعُهُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ نَقْلِ مَا تَقَدَّمَ: يُرَدُّ تَخْرِيجُهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ لَغْوِ الْحَجْرِ عَلَى مَنْ ثَبَتَ الْإِذْنُ فِيهِ وَعَمِلَ بِهِ لِغَيْرِهِ الْإِذْنَ فِيمَا قَارَنَ إذْنَهُ قَبْلَ الْعَمَلِ فِيهِ قَالَ وَظَاهِرُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ حَجَرَ عَلَيْهِ الدَّيْنَ أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَا حَقَّ لَهُمْ فِيمَا بِيَدِهِ مِنْ مَالٍ أُذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: فَفِي لُزُومِ تَخْصِيصِ السَّيِّدِ تَحْجِيرَ عَبْدِهِ بِنَوْعٍ وَلَغْوِهِ، فَيَعُمُّ ثَالِثُهَا إنْ أَعْلَمَ بِذَلِكَ لِسَحْنُونٍ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ وَتَخْرِيجِ ابْنِ رُشْدٍ وَالسَّمَاعِ الْمَذْكُورِ.
وَرَابِعُهَا لِلَّخْمِيِّ إنْ كَانَ الْعَبْدُ يَرَى أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا حُدَّ لَهُ بِهِ وَإِلَّا فَالثَّانِي اهـ. وَاحْتَجَّ سَحْنُونٌ فِي السَّمَاعِ الْمَذْكُورِ لِمَا قَالَهُ بِمَا نَصُّهُ: " أَلَا تَرَى أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ دَفَعَ لِلْعَبْدِ قِرَاضًا أَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مَأْذُونًا لَهُ وَحُكْمُ الْقِرَاضِ لَا يُبَاعُ بِالدَّيْنِ فِي الْأَحْرَارِ وَالْعَبِيدِ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَشْتَرِطُ عَلَى عَبْدِهِ، فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ فَإِذَا بَاعَ بِهِ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَلَا يَجُوزُ عَلَى مَوْلَاهُ عَدَاؤُهُ " قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَمَسْأَلَةُ الْقِرَاضِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا لَا تَلْزَمُ ابْنَ الْقَاسِمِ الْحُجَّةُ بِهَا إذْ يُخَالِفُهُ فِيهَا وَيَقُولُ إذَا دَفَعَ إلَى عَبْدِهِ قِرَاضًا فَدَايَنَ فِيهِ النَّاسَ يَكُونُ فِيهِ دُيُونُهُمْ إلَّا أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ قِرَاضٌ فَلَا يَكُونُ لَهُمْ وَكَذَلِكَ الْحُرُّ إذَا عَلِمَ غُرَمَاؤُهُ الَّذِينَ عَامَلُوهُ بِالدَّيْنِ أَنَّهُ قِرَاضٌ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَاتَّبَعُوا ذِمَّتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا فَيَفْتَرِقُ الْحُرُّ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَلْزَمُهُ ضَمَانُ الْمَالِ فَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ مُحَاصَّةُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ وَالْعَبْدُ لَا يَضْمَنُ لِسَيِّدِهِ فَيَنْفَرِدُ الْغُرَمَاءُ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِجَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ حِينَ لَمْ يُعْلِمْهُمْ اهـ. بِاخْتِصَارٍ.
(تَنْبِيهٌ) تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ فِي التَّنْبِيهِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الرُّعَيْنِيِّ وَابْنِ فَرْحُونٍ أَنَّهُ لَوْ طُلِبَ مِنْ سَيِّدِ الْعَبْدِ الْيَمِينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَيُؤَخَّرُ)
ش: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهُوَ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَأُجِيبَ بِاخْتِيَارِ الْقِسْمِ الثَّانِي وَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَنْقُوضٌ بِالْحُرِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِالْأَثْمَانِ طَلَبًا لِمَحْمَدَةِ الثَّنَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلِغَيْرِ مَنْ أُذِنَ لَهُ الْقَبُولُ)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute