للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ (الثَّانِي) أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ فَإِذَا قَبَضَهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْوَكِيلِ قَوْلًا وَاحِدًا فَإِنَّ الطَّالِبَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِقَبْضِ الْكَفِيلِ فَإِنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْكَفِيلُ بَعْدَ صِحَّةِ قَبْضِهِ فَالْعَدَاءُ عَلَى الطَّالِبِ وَقَعَ بِلَا إشْكَالٍ.

(الثَّالِثُ) أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ إمَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ كَمَا إذَا غَابَ الطَّالِبُ وَحَلَّ الْأَجَلُ وَخَافَ الْكَفِيلُ إعْدَامَ الْأَصْلِ وَإِحْدَاثَ الْفَلَسِ لِيُؤَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَبَضَهُ بِحُكْمِ قَاضٍ، أَوْ يَكُونُ قَبْضُهُ بِرِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِغَيْرِ حُكْمٍ فَالْكَفِيلُ فِي هَذَا الْوَجْهِ ضَامِنٌ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الطَّعَامِ وَذِمَّتُهُ بِهِ، أَوْ بِمِثْلِهِ عَامِرَةٌ حَتَّى يُوصِلَهُ إلَى الطَّالِبُ، وَلِلطَّالِبِ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا مَعَ قِيَامِ الطَّعَامِ بِيَدِ الْكَفِيلِ وَفَوَاتِهِ فَإِنْ غَرِمَ الْأَصْلُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِطَعَامِهِ، أَوْ مِثْلِهِ إنْ اسْتَهْلَكَهُ، أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ إنْ شَاءَ أَخْذَ الثَّمَنِ وَلَا يَجُوزُ لِلطَّالِبِ أَنْ يَبِيعَهُ بِذَلِكَ الْقَبْضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا أَخْذُ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ الطَّالِبُ مِثْلَ طَعَامِهِ بَعْدَ أَنْ بَاعَ مَا اقْتَضَاهُ كَانَ الثَّمَنُ سَائِغًا لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَصْلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ مَا غَرِمَ مِنْ الطَّعَامِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.

(الرَّابِعُ) إذَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الْقَبْضِ الْوَكِيلُ يَدَّعِي أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَالْأَصْلُ يَقُولُ: بَلْ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيهِ عَلَى مَعْنَى قَوْلَيْنِ قَائِمَيْنِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَصْلِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْقِرَاضِ حَيْثُ قَالَ: إذَا قَالَ الْقَابِضُ قَبَضْتُهُ عَلَى مَعْنَى الْوَدِيعَةِ، وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ قِرَاضًا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَقْبُوضَ لِلدَّافِعِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْقَابِضِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْأُصُولُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ تُوجِبُ الضَّمَانَ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْحَظْرِ، وَالْكَفِيلُ هَهُنَا قَدْ ادَّعَى قَبْضًا صَحِيحًا، وَالْأَصْلُ قَدْ ادَّعَى قَبْضًا فَاسِدًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْقَابِضِ الَّذِي هُوَ الْكَفِيلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَشْبَهَ، وَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مُبَاحًا وَالْأَصْلُ قَدْ ادَّعَى الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ الطَّعَامِ مِنْ الْمَكْفُولِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ مُطَالَبَتُهُ لِيَدْفَعَ إلَى الطَّالِبِ لِكَيْ يَبْرَأَ مِنْ الْكَفَالَةِ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مَحْظُورًا، فَيُوجِبُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ (الْخَامِسُ) إذَا أُبْهِمَ الْأَمْرُ وَعَرَا الْقَبْضُ عَنْ الْقَرَائِنِ، وَقَدْ مَاتَ الْكَفِيلُ، أَوْ الْأَصْلُ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الرِّسَالَةِ حَيْثُ يَثْبُتُ الْقَبْضُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ حَتَّى تَثْبُتَ الرِّسَالَةُ؟ فَهَذَا مِمَّا يَتَخَرَّجُ بِهِ قَوْلَانِ انْتَهَى، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَادَّعَى التَّلَفَ أَنَّهُ يَحْلِفُ، وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ أَوَّلِ مَسْأَلَةٍ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْكَفَالَةِ: وَإِنْ قَبَضَ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَالضَّمَانُ مِنْ الدَّافِعِ، وَالْمُصِيبَةُ مِنْهُ بَعْدَ يَمِينِ الْقَابِضِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ التَّلَفِ وَيَبْقَى الْحَقُّ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلُ اهـ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ: قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَمِيلِ فِي ضَيَاعِهِ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ، وَإِنْ اُتُّهِمَ أُحْلِفَ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي: إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ التَّلَفِ بَعْدَ يَمِينِهِ إنْ اُتُّهِمَ كَالْمُودِعِ وَإِذَا صُدِّقَ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ التَّلَفِ وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الطَّالِبِ بَرِئَ الْمَطْلُوبُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى مُعَايَنَةِ الدَّفْعِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَبْرَأُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا إلَّا أَنْ يَدْخُلَهُ الِاخْتِلَافُ بِالْمَعْنَى مِنْ مَسْأَلَةِ اللُّؤْلُؤِ مِنْ كِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>