للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الْإِنَاءِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي وُضُوئِهِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» وَقَوْلُهُ: ثَلَاثًا هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: اُخْتُلِفَ هَلْ يَغْسِلُهُمَا ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبَبُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ وَقَوْلُهُ: تَعَبُّدًا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ: يَغْسِلُهُمَا لِلنَّظَافَةِ وَقَوْلُهُ: بِمُطْلَقٍ وَنِيَّةٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ إلَّا إذَا غَسَلَهُمَا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَنَوَى بِذَلِكَ الْغَسْلِ سُنَّةَ الْوُضُوءِ وَقَوْلُهُ: وَلَوْ نَظِيفَتَيْنِ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّ غَسْلَهُمَا تَعَبُّدٌ. وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ. وَكَذَا غَسْلُهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ، وَعَلَى النَّظَافَةِ خِلَافُهُ فِي الْجَمِيعِ. قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ: هَكَذَا قَالُوا، وَفِيهِ بَحْثٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَنَّ لِنَظِيفِ الْيَدِ الْغَسْلُ وَلَوْ قُلْنَا أَنَّهُ تَنْظِيفٌ كَمَا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ أَوَّلًا لِلنَّظَافَةِ مَعَ أَنَّا نَأْمُرُ بِهِ نَظِيفَ الْجِسْمِ؟ فَانْظُرْ مَا الْفَرْقُ انْتَهَى.

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَنْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ وُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ، قَالَهُ سَنَدٌ فِي بَابِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَمُوَالَاتِهِ، وَذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةَ يَدِهِ فَإِنْ شَاءَ أَفْرَغَ عَلَيْهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَا الْمَاءَ وَغَسَلَ يَدَهُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذِهِ قَوْلَةٌ مُتَهَافِتَةٌ؛ لِأَنَّ غَسْلَ الْيَدِ إنَّمَا شُرِعَ مُقَدَّمًا عَلَى إدْخَالِهَا الْإِنَاءَ هَذَا وَضَعَّفَهُ فِي الشَّرْعِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ يُدْخِلُهُمَا ثُمَّ يَغْسِلُهُمَا فَلَا يُعْرَفُ فِي السَّلَفِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مِثْلِهِ انْتَهَى. وَصَرَّحَ بِذَلِكَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقَالَهُ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ.

(الثَّانِي) إنَّمَا يَكُونُ غَسْلُهُمَا سُنَّةً إنْ تَيَقَّنَ طَهَارَتَهُمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَسُنَنُهُ غَسْلُ يَدَيْهِ الطَّاهِرَتَيْنِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا فِي إنَائِهِ. أَبُو عُمَرَ الْمَشْهُورُ: كَرَاهَةُ تَرْكِهِ. أَشْهَبُ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: وَسَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ أَدْخَلَهُمَا مَنْ نَامَ فِي إنَائِهِ فَلَا بَأْسَ بِمَائِهِ. ابْنُ حَارِثٍ عَنْ ابْنِ غَافِقٍ التُّونُسِيِّ: أَفْسَدَهُ وَلَوْ كَانَ طَاهِرَهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ: إنْ أَيْقَنَ: نَجَاسَتَهُمَا فَوَاضِحٌ وَإِنْ أَيْقَنَ طَهَارَتَهُمَا فَظَاهِرٌ، وَإِنْ شَكَّ فَكَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ جُنُبًا. ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ بَاتَ جُنُبًا فَنَجِسٌ انْتَهَى.

(الثَّالِثُ) قَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي الْإِنَاءِ اُنْظُرْ: ذِكْرَ الْإِنَاءِ هَلْ هُوَ مَقْصُودٌ فَلَا يَدْخُلُ الْحَوْضُ أَمْ لَا؟ أَمَّا الْجَارِي فَلَا إشْكَالَ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَانْظُرْهُ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى.

(قُلْتُ) وَمِثْلُ الْجَارِي الْمَاءُ الْكَثِيرُ مِثْلُ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ وَالْبِرْكَةِ الْكَبِيرَةِ، وَفَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِي سَمَاعِ مُوسَى فِيمَنْ يَرِدُ عَلَى الْحِيَاضِ وَيَدُهُ نَجِسَةٌ وَقَدْ قَالَ فِي رَسْمِ كَتَبَ: عَلَيْهِ ذِكْرُ حَقٍّ، مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ مِثْلَ الْمِهْرَاسِ وَالْغَدِيرِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ مِنْهُ إلَّا بِإِدْخَالِ يَدِهِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا دَنَسًا أَدْخَلَهَا، وَلَا يَأْخُذُ الْمَاءَ بِفِيهِ لِيَغْسِلَهَا إذْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ. قَالَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَشْهَبَ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً فَلَا يُدْخِلْهَا حَتَّى يَغْسِلَهَا وَلْيَتَحَيَّلْ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ الْمَاءَ بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ. قَالَهُ فِي سَمَاعِ مُوسَى انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ نَحْوُ هَذَا وَزَادَ فِيهِ وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ يَعْنِي أَخْذَهُ بِفِيهِ مِنْ التَّعَمُّقِ، وَقَالَ فِي سَمَاعِ مُوسَى: إذَا كَانَ فِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمُ: أَرَى أَنْ يَحْتَالَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْخُذَ مَا يَغْسِلُ بِهِ يَدَهُ إمَّا بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ أَوْ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حِيلَةٍ فَلَا أَدْرِي مَا أَقُولُ فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا مُعَيَّنًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَغْسِلَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إذَا كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْمَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَحْمِلُ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا بُدَّ لَهُ أَنْ يَحْتَالَ فِي غَسْلِ يَدِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْمَاءِ إمَّا بِفِيهِ أَوْ بِثَوْبٍ طَاهِرٍ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ إذَا أَخَذَهُ بِفِيهِ يَنْضَافُ بِالرِّيقِ فَلَا يَرْتَفِعُ عَنْ الْيَدِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَإِنْ عَيَّنَهَا تَزُولُ وَإِنْ بَقِيَ حُكْمُهَا، وَإِذَا زَالَ عَيْنُهَا مِنْ يَدِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَنْجَسْ الْمَاءُ الَّذِي أَدْخَلَهَا فِيهِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا: تَحْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ إذَا وَجَدَهُ الْقَائِمُ مِنْ نَوْمِهِ فِي مِثْلِ الْمِهْرَاسِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُفْرِغَ

<<  <  ج: ص:  >  >>