الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ فِي حِصَّتِهِ بِشَيْءٍ انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَالَ عِيَاضٌ: ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الرُّشْدِ فِي الْعَدَالَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَأَنَّ شَهَادَةَ السَّفِيهِ لَا تَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ عَدْلًا فِي نَفْسِهِ، وَأَجَازَهَا مَالِكٌ وَفِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَيِّتِ بِدَيْنٍ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا وَتَكَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هُنَا، وَفِي بَابِ الشَّرِكَةِ وَفِي الْمِدْيَانِ وَفِي الْوَصَايَا الْأُوَلِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
عَدْلٌ رَشِيدٌ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ بِشَهَادَتِهِ عَكْسُهُ سَفِيهٌ مَسْخُوطٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سَفِيهٌ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَسْخُوطٌ عَدْلٌ سَفِيهٌ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، وَهَلْ يُؤْخَذُ بِهِ قَوْلَانِ. رَشِيدٌ غَيْرُ عَدْلٍ: يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا انْتَهَى. كَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ وَاَلَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ شَهَادَةَ السَّفِيهِ لَا تَجُوزُ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَخَذَ مِنْ شَاهِدِهِ قَدْرَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ الدَّيْنِ هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ يَقُولُ يَأْخُذُ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ نَصِيبِ الْمُقِرِّ إذْ لَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إنَّهُ يَكُونُ شَرِيكًا مَعَ الْوَرَثَةِ إذَا حَلَفَ وَإِنْ نَكَلَ كَانَ شَرِيكًا لِلْمُقِرِّ وَهَذَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْجُزْءِ وَأَمَّا بِالْعَدَدِ فَكَالدَّيْنِ انْتَهَى.
وَانْظُرْ كِتَابَ الْوَصَايَا مِنْ النَّوَادِرِ وَآخِرَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ مِنْهَا، فَإِنَّهُ عَقَدَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا لِإِقْرَارِ الْوَارِثِ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَوْصَى بِكَذَا أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ.
ص (فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ فَهُنَّ أَحْرَارٌ) ش يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ إقْرَارِ الْوَرَثَةِ إنْ تَشْهَدْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَالَ: إحْدَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ ابْنَتِي، وَلَمْ يُسَمِّهَا فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ بِاتِّفَاقٍ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ اسْتَلْحَقَ وَلَدًا، ثُمَّ أَنْكَرَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْوَلَدُ، فَلَا يَرِثُهُ وَوَقَفَ مَالِهِ)
ش: هَكَذَا قَالَ فِي رَسْمِ يُوصَى مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِلْحَاقِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَفِي قَوْلِهِ، وَوَقَفَ نَظَرٌ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مِيرَاثِهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّ هَذَا الْمَالَ لَهُمْ لَا حَقَّ لَهُ مَعَهُمْ فِيهِ؛ وَهُمْ لَا يُكَذِّبُونَهُ فَلَا مَعْنَى لِتَوْقِيفِهِ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقْبَلَ رُجُوعُهُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِرُجُوعِهِ إلَى اسْتِلْحَاقِ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ ثُبُوتُهُ عَلَى إنْكَارِهِ إلَى أَنْ مَاتَ (تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ الْمُسْتَلْحِقُ قَبْلَ الِابْنِ وَرِثَهُ الِابْنُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ، وَالِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي سَبَقَ، وَلَا يَسْقُطُ نَسَبُهُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ، ثُمَّ إنْ مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرِثَهُ عَصَبَتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ الْمُسْتَلْحِقِ لَهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الرَّسْمِ الْمَذْكُورِ وَابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ وَنَصُّ ابْنِ بَطَّالٍ: وَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَلْحِقُ الْأَبُ قَبْلَ الْمُسْتَلْحَقِ، وَوَرِثَهُ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِلْحَاقِ الَّذِي سَبَقَ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى إنْكَارِهِ بَعْدَ الِاسْتِلْحَاقِ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ الْمُسْتَلْحِقُ الْأَبُ لَوْ قَدَّمَ الْأَبَ، فَقَالَ الْأَبُ الْمُسْتَلْحِقُ لَكَانَ أَوْضَحَ.
(فَرْعٌ) : قَالَ فِي الْمُقْنِعِ: وَإِنْ اسْتَلْحَقَ الرَّجُلُ رَجُلًا لَحِقَ بِهِ نَسَبًا أَوْلَادُ الْمُسْتَلْحِقِ، وَمَنْ نَفَى وَلَدَهُ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ انْتَهَى.
(فَائِدَتَانِ الْأُولَى) : يَجْتَمِعُ لُحُوقُ الْوَلَدِ وَالْحُرِّ فِي خَمْسِ مَسَائِلَ إحْدَاهَا: الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْأَمَةُ، فَتَلِدُ مِنْهُ، فَيُقِرُّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَنَّهُ غَصَبَهَا، فَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى قَطْعِ نَسَبِهِ وَيَلْزَمُهُ الْحَدُّ، الثَّانِيَةُ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ بِحُرِّيَّةٍ، فَذَكَرَ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ حُرَّةً وَوَطِئَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَيُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الثَّالِثَةُ مَنْ اشْتَرَى جَارِيَتَيْنِ عَلَى أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي إحْدَاهُمَا، فَأَقَرَّ أَنَّهُ اخْتَارَ وَاحِدَةً، ثُمَّ وَطِئَ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الرَّابِعَةُ: مَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً، وَوَطِئَهَا فَخَاصَمَهُ رَبُّهَا، فَقَالَ ادْفَعْ ثَمَنَ جَارِيَتِي الَّتِي بِعْت مِنْك، فَيَقُولُ الْوَاطِئُ إنَّمَا تَرَكْتهَا عِنْدِي أَمَانَةً وَدِيعَةً، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ الْخَامِسَةُ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ، فَتَلِدُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُحَدُّ، وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ انْتَهَى مِنْ مُعِينِ الْحُكَّامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute