للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فَأَيُّهُمَا أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: مَالِكٌ وَرِثَ وَجْدِي، قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: مَعْنَاهُ وَارِثُ عِلْمِي، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ: لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ اشْتِرَاكِ الْجَمَاعَةِ فِي سَرِقَةِ النِّصَابِ فَرَحِمَ اللَّهُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فَإِنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الرَّأْيِ وَالْآثَارِ وَأَعْرَفَ النَّاسِ بِالْقِيَاسِ وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ، انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَعْدُونٍ سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ عَنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ فَقَالَ: رَأْيُ مَالِكٍ هُوَ الصَّوَابُ وَحُكِيَ فِي الدِّيبَاجِ عَنْ الْمَدَارِكِ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: جَالَسْت ابْنَ هُرْمُزَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيُرْوَى سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فِي عِلْمٍ لَمْ أَبُثَّهُ لِأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ وَمَذْهَبُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَبْنِيٌّ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ وَاتِّقَاءِ الشُّبُهَاتِ فَهُوَ أَبْعَدُ الْمَذَاهِبِ عَنْ الشُّبَهِ وَنَقَلَ ابْنُ سَهْلٍ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَنْ زَاغَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ مِمَّنْ رِينَ عَلَى قَلْبِهِ وَزُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَقَدْ رَأَيْت فِي أَقَاوِيلِ الْفُقَهَاءِ وَرَأَيْت مَا صُنِّفَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَلَمْ أَرَ مَذْهَبًا أَنْقَى وَلَا أَبْعَدَ مِنْ الزَّيْغِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَجَلَّ مَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبًا مِنْ الْمَذَاهِبِ فِيهِمْ الْخَارِجِيُّ وَالرَّافِضِي إلَّا مَذْهَبَ مَالِكٍ فَمَا سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُقَلِّدُهُ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ فَالِاسْتِمْسَاكُ بِهِ نَجَاةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. (قُلْت) وَفِي أَوَّلِ هَذَا الْكَلَامِ بَشَاعَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا قَالَهُ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْمُجْتَهِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَكُلُّ مَنْ قَلَّدَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَهُوَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِ وَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُمْ إلَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَكُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْهُ عِنْدَهُمْ فَلَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْخَوَارِجِ (وَإِنَّمَا نَقَلْتُهُ) لِأُنَبِّهَ عَلَى مَا فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْصِمُنَا مِنْ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقُنَا فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ آخِرًا أَعْنِي قَوْلَهُ: فَمَا سَمِعْت أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُقَلِّدُهُ قَالَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ، فَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ قَالَ السُّبْكِيُّ فِي مُفِيدِ النِّعَمِ وَمُبِيدِ النِّقَمِ: وَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَفُضَلَاءُ الْحَنَابِلَةِ يَدٌ وَاحِدَةٌ كُلُّهُمْ عَلَى رَأْيِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَدِينُونَ بِطَرِيقَةِ شَيْخِ السُّنَّةِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ لَا يَحِيدُ عَنْهَا إلَّا رَعَاعٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لَحِقُوا بِأَهْلِ الِاعْتِزَالِ وَرَعَاعٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ لَحِقُوا بِأَهْلِ التَّجْسِيمِ، وَبَرَّأَ اللَّهُ الْمَالِكِيَّةَ فَلَمْ يُرَ مَالِكِيٌّ إلَّا أَشْعَرِيَّ الْعَقِيدَةِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: يُخَاطِبُ أَهْلَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ. وَأَمَّا تَعَصُّبُكُمْ فِي فُرُوعِ الدِّينِ وَحَمْلُكُمْ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ فَهُوَ الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ مِنْكُمْ وَلَا يَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ إلَّا مَحْضُ التَّعَصُّبِ وَالتَّحَاسُدِ وَلَوْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَأَحْمَدَ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ لَشَدَّدُوا النَّكِيرَ عَلَيْكُمْ وَتَبَرَّءُوا مِنْكُمْ فِيمَا تَفْعَلُونَ انْتَهَى وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إذَا رَأَيْت الرَّجُلَ يُنَقِّصُ مَالِكًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ مُبْتَدِعٌ قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْبِدْعَةِ وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: إذَا رَأَيْت الْحِجَازِيَّ يُحِبُّ مَالِكًا فَاعْلَمْ أَنَّهُ صَاحِبُ سُنَّةٍ وَإِذَا رَأَيْت أَحَدًا يَتَنَاوَلُهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ قَالَ فِي الدِّيبَاجِ: وَكَانَ رَبِيعَةُ إذَا جَاءَ مَالِكٌ يَقُولُ: جَاءَ الْعَاقِلُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَعْقَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: قَالَ مَالِكٌ: مَا جَالَسْت سَفِيهًا قَطُّ. وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَسْلَمْ مِنْهُ غَيْرُهُ وَلَا فِي فَضَائِلِ الْعُلَمَاءِ أَجَلُّ مِنْ هَذَا وَذَكَرَ يَوْمًا شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ: مَنْ حَدَّثَك بِهَذَا؟ فَقَالَ: إنَّا لَمْ نُجَالِسْ السُّفَهَاءَ وَقَدْ عَدَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَدَارِكِ بِالتَّرْجِيحِ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَبَيَّنَ الْحُجَّةَ فِي وُجُوبِ تَقْلِيدِهِ وَرَجَّحَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ وَالِاعْتِبَارِ فَلْيُنْظَرْ ذَلِكَ فِيهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي آخِرِ الْمَعُونَةِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: اخْتَارَ الشَّيْخُ مَذْهَبَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ وَلِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ شَرَفَيْ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ إمَّا فَقِيهٌ صِرْفٌ كَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُمَا ذِكْرٌ عِنْدَ الصَّحِيحَيْنِ. وَإِمَّا مُحَدِّثٌ صِرْفٌ كَأَحْمَدَ وَدَاوُد انْتَهَى. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فِي الْمَدَارِكِ. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: يَكْفِي فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>