كَذَلِكَ، وَالْقَوْلَانِ لِمَالِكٍ وَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِرَاءِ الدُّورِ وَسُقُوطِهَا وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَاعْتَرَضَهُ شَارِحُهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَرِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ أَخَذَ هُوَ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَابْن الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ فَكَانَ ذِكْرُهُ لِهَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى أَوْ كَانَ يَذْكُرُهُمَا وَلِهَذَا حَكَى فِي شَامِلِهِ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ السُّقُوطُ، وَلَعَلَّهُ لَمَّا لَمْ يَرَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يُعْتَبَرْ كَلَامُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ صِحَّةَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَقَطَ عَنْهُ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ وَالْبِسَاطِيِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي) سَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي الثِّمَارِ إذَا لَمْ تَيْبَسْ أَنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ، وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ: فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الشُّفْعَةِ فِي الثِّمَارِ وَعَدَمِهَا فِي السُّكْنَى وَكُلٌّ مِنْهُمَا غَلَّةٌ مَا فِيهِ الشُّفْعَةُ؟ قِيلَ: الْفَرْقُ أَنَّ الثِّمَارَ لَمَّا تَقَرَّرَ لَهَا وُجُودٌ فِي الْأَعْيَانِ وَنُمُوٌّ فِي الْأَبَدَانِ مِنْ الْأَشْجَارِ صَارَتْ كَالْجُزْءِ مِنْهَا وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَ الْأُصُولِ وَلَا كَذَلِكَ السُّكْنَى فَلِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِعَدَمِ الشُّفْعَةِ فِيهَا الْمَشَذَّالِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي تَرْجَمَةِ اكْتَرَى حَمَّامَيْنِ أَوْ حَانُوتَيْنِ مِنْ كِرَاءِ الدُّورِ أَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الثَّمَرَةَ أَعْيَانٌ وَهِيَ مُشْتَبِهَةٌ بِالْأُصُولِ وَلَا كَذَلِكَ الْمَنَافِعُ أَلَا تَرَى إذَا اشْتَرَى الثَّمَرَةَ بَعْدَ يُبْسِهَا فِي رُءُوسِ الْأَشْجَارِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهَا، انْتَهَى. وَتَأَمَّلْ الْفَرْقَ بَيْنَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ، فَقَالَ اللَّخْمِيُّ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَأَنْ يَشْفَعَ لِيَسْكُنَ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ، قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي التَّرْجَمَةِ الْمَذْكُورَةِ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ مُحَمَّدٌ وَأَشْهَبُ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الْكِرَاءِ وَبِهِ أَقُولُ. اللَّخْمِيُّ وَبِهِ الْعَمَلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَأَنْ يَشْفَعَ لِيَسْكُنَ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَيْضًا وَزَادَ إثْرَهُ.
(قُلْت) وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَنَا بِإِفْرِيقِيَّةَ، انْتَهَى.
أَيْ لَيْسَ الْعَمَلُ عِنْدَهُمْ بِإِفْرِيقِيَّةَ عَلَى اشْتِرَاطِ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَالشَّرْطَانِ الْمَذْكُورَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّخْمِيُّ وَعَنْهُ نَقَلَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَتَى بِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ عَقِبَ ذَلِكَ كَالْمُسْتَدِلِّ بِذَلِكَ وَلْنَذْكَرْ كَلَامَهُ بِرُمَّتِهِ وَنَصَّهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ يَرَى الشُّفْعَةَ فِي الْكِرَاءِ وَبِهِ أَقُولُ الشَّيْخُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَأَنْ يَشْفَعَ لِيَسْكُنَ اللَّخْمِيُّ. اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ الْكِرَاءُ فِي نِصْفِ شَائِعٍ، فَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً لَا شُفْعَةَ فِيهِ وَمَرَّةً قَالَ: فِيهِ الشُّفْعَةُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَإِنْ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِيَسْكُنَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ لِيُكْرِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ بِالْبَيْعِ وَكَذَلِكَ الْحَانُوتُ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَيُكْرِي أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ شَائِعًا فَلَا شُفْعَةَ فِي الْآخَرِ إذَا كَانَ لَا يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ أَوْ كَانُوا يَأْخُذُونَ بِالشُّفْعَةِ لِيُكْرُونَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ لِيَجْلِسَ فِيهِ لِلْبَيْعِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ كَانَ يُكْرِيهِ لِمَنْ يَجْلِسُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، انْتَهَى.
(الرَّابِعُ) قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ فِي كِرَاءِ الدُّورِ إثْرَ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَوْلُهُ فَلِأَحَدِهِمَا أَنْ يُكْرِيَ حِصَّتَهُ ظَاهِرُهُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَرِيكُهُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْغَيْرِ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَجُلَيْنِ وُهِبَتْ لَهُمَا ثَمَرَةُ شَجَرٍ عَشْرَ سِنِينَ حَبْسًا عَلَيْهِمَا ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُهُمَا بَيْعَ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الطِّيبِ فَشَرِيكُهُ أَوْلَى بِهَا، انْتَهَى. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْلَى بِهَا مِمَّنْ أَرَادَ شِرَاءَهَا بِاَلَّذِي بَذَلَ فِيهَا، قَالَ سَحْنُونٌ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا شُفْعَةَ فِي الْأَكْرِيَةِ، وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ أَرَادَ شَرِيكَهُ أَوْلَى بِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِرَاءِ، وَمَسْأَلَةِ الثَّمَرَةِ يُرِيدُ أَوْلَى بِهَا مِنْ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ الَّذِي بُذِلَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute