لِلَّهِ أُحِيزَ عَنْهُ، وَأَحَبَّ أَنْ يَبْنِيَ فَوْقَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى.
، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَهُ دَارٌ لَهَا عُلُوٌّ وَسُفْلٌ، فَأَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ السُّفْلَ مَسْجِدًا، وَيُبْقِيَ الْعُلُوَّ عَلَى مِلْكِهِ، فَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ لِلْوَاضِحَةِ، وَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَتَابِعِيهِ، وَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ وَصَرَّحَ اللَّخْمِيُّ بِجَوَازِهِ قَالَ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ: وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَبْنِيهِ لِلَّهِ، وَأَبْنِي فَوْقَهُ مَسْكَنًا، وَعَلَى هَذَا أَبْنِي جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الدَّارُ عُلْوًا وَسُفْلًا فَأَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ السُّفْلَ مَسْجِدًا، وَيُبْقِيَ الْعُلُوَّ عَلَى مِلْكِهِ جَازَ انْتَهَى.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَفَّقَ بَيْنَ هَذِهِ النُّقُولِ، وَيُجْعَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَا يُعْجِبُنِي، أَوْ لَا يَبْنِي لَا يَجُوزُ وَيُحْمَلُ هُوَ، وَمَا فِي الْوَاضِحَةِ، وَمَا لِابْنِ شَاسٍ وَتَابِعِيهِ الْقَرَافِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَمَا يَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ عَلَى الشِّقِّ الْأَوَّلِ الَّذِي تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ وَيُحْمَلُ مَا فِي الْجُعْلِ مِنْهَا، وَكَلَامُ اللَّخْمِيِّ الْأَخِيرُ، وَمَا لِلْمُصَنِّفِ هُنَا عَلَى الشِّقِّ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ اللَّخْمِيِّ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ، وَيُسَاعِدُ هَذَا التَّوْفِيقَ كَلَامُ ابْنِ نَاجِي، وَنَصُّهُ: عَلَى قَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ التَّهْذِيبِ، وَلَا يَبْنِي إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي الْأُمِّ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَسْكَنًا يُجَامَعُ فِيهِ، وَذَلِكَ كَالنَّصِّ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَذَكَرَ أَبُو عِمْرَانَ النَّظَائِرَ الْمَعْلُومَةَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ هَلْ ظَاهِرُ الْمَسْجِدِ كَبَاطِنِهِ أَمْ لَا؟ ، وَذَلِكَ يُوهِمُ جَوَازَ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَسْجِدَ سَبَقَ فَهُوَ تَغْيِيرُ الْحَبْسِ بَلْ ظَاهِرُهَا أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ فَحَبَسَ الْعُلُوَّ مَسْجِدًا فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَنَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ فِي الْجُعْلِ انْتَهَى.
وَقَالَ عَلَى قَوْلِهَا فِي الْجُعْلِ وَالْإِجَارَةِ: وَكَرِهَ الْمُتَقَدِّمَ يُرِيدُ يَكُونُ تَحْبِيسُ الْمَسْجِدِ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ انْتَهَى.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا لَمَّا أَنْ حَمَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَاَلَّذِي فِي الصَّلَاةِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ مَا نَصُّهُ: ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِثْلَ مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السُّكْنَى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ تَحْتَهُ، وَلَمْ يَقُلْ؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ أَيْ: لَا عَلَى الْمَسْجِدِ حُرْمَتُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِالْبَيِّنِ، وَلَا سِيَّمَا، وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا حَبَسَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ نَعَمْ لَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ الِاعْتِلَاءُ عَلَى رُءُوسِ الْمُصَلِّينَ الْفُضَلَاءِ وَأَهْلِ الْخَيْرِ، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا أَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَكَنَ بَيْتًا عِنْدَهُ، وَسَكَنَ أَبُو أَيُّوبَ غَرْفَةً عَلَيْهَا، وَانْهَرَقَتْ جَرَّةٌ فِي الْغَرْفَةِ فَخَشِيَ أَنْ يَنْزِلَ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَدَّ الْكُوَّةَ الَّتِي هُنَاكَ بِقَطِيفَةٍ عِنْدَهُ، وَنَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْغَرْفَةِ وَنَزَلَ هُوَ وَأَهْلُهُ إلَى الْبَيْتِ وَاحْتَجَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَا ذَكَرَهُ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَبِيتُ بِالْمَدِينَةِ فَوْقَ ظَهْرِ الْمَسْجِدِ إذْ كَانَ أَمِيرًا فَلَا تَقْرَبُهُ امْرَأَةٌ، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ سَبَقَ تَحْبِيسُهُ عَلَى أَيَّامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالسُّكْنَى بِالْأَهْلِ، أَوْ الْمَبِيتُ بِهِمْ عَلَى ظَهْرِهِ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى مَا بُنِيَ لَهُ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَنْ أَرَادَ إنْشَاءَ تَحْبِيسِ مَسْجِدٍ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ انْتَهَى.
وَرَأَيْت لِبَعْضِ عُلَمَاءِ الْأَنْدَلُسِ كَلَامًا أَجَابَ بِهِ حِينَ سُئِلَ عَنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَفِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ، وَذَكَرَ فِي الْجَوَابِ نَحْوَ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ لِلْكِرَاءِ وَسُكْنَى فَوْقَهُ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِيُكْرِيَهُ وَيَتَّخِذَ فَوْقَهُ بَيْتًا قَالَ: وَكَلَامُهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِي اتِّخَاذِ مَنْزِلٍ فَوْقَ مَسْجِدٍ مُحَبَّسٍ مُبَاحٍ لِعُمُومِ النَّاسِ انْتَهَى.
وَفِي جَعْلِهِ الْفَرْعَيْنِ فَرْعًا وَاحِدًا اُنْظُرْ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ، وَبَعْضُ عُلَمَاءِ الْأَنْدَلُسِ الْمُشَارُ إلَيْهِ هُوَ الشَّيْخُ الْعَلَامَةُ مُفْتِي غَرْنَاطَةَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْجَعْدَالِيُّ الْغَرْنَاطِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (بِمَنْفَعَةٍ)
ش: يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ قَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ لِلِاسْتِعَانَةِ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَنْفَعَةُ مَا لَا تُمْكِنُ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ حِسًّا دُونَ إقَامَةٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ غَيْرَ جُزْءٍ مِمَّا أُضِيفَ إلَيْهِ انْتَهَى.
(فَرْعٌ:) قَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ فِي شَرِكَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute