للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِابْنِ الْحَاجِبِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ لَفْظَ الْحَبْسِ عَلَى لَفْظِ الْوَقْفِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّرْطُ رَاجِعًا إلَى الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَحَبَسْت وَتَصَدَّقْت إنْ اقْتَرَنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ مِنْ قَيْدٍ أَوْ جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ تَأَبَّدَ وَإِلَّا فَرِوَايَتَانِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ لَفْظَتَيْ حَبَسْت وَتَصَدَّقْت لَا يَدُلَّانِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِمُجَرَّدِهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ ضَمِيمَةِ قَيْدٍ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَشِبْهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ أَوْ الْجَمْعِ بَيْنَ اللَّفْظَتَيْنِ مَعًا كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إذَا قَالَ حَبْسًا صَدَقَةً أَوْ ذَكَرَ لَفْظَ التَّأْبِيدِ أَوْ ضَمِيمَةَ جِهَةٍ فِي الْحَبْسِ لَا تَنْقَطِعُ وَمُرَادُهُ عَدَمُ انْحِصَارِ مَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ الْحَبْسُ بِأَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ كَقَوْلِهِ حَبْسٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنْ انْعَدَمَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ وَالْجِهَاتُ وَشِبْهُهَا فَفِي التَّأْبِيدِ حِينَئِذٍ رِوَايَتَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ فِي التَّأْبِيدِ إذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الْقُيُودُ أَوْ الْجِهَاتُ وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِمَّا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا قَالَ حَبْسٌ صَدَقَةٌ أَوْ حَبْسٌ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي هَذَا أَنَّهُ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ تَرْجِعُ بِمَرَاجِعِ الْأَحْبَاسِ وَلَا تَرْجِعُ إلَى الْمُحْبِسِ مِلْكًا وَمَعَ ذَلِكَ فَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ حَكَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَيْهِ مِلْكًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُحْبَسِ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ حَبْسٌ صَدَقَةٌ وَكَذَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ إنَّهَا تَرْجِعُ مِلْكًا إذَا حَبَسَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَلَوْ قَالَ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ نَعَمْ يَعِزُّ وُجُودُ الْخِلَافِ بَلْ يَنْتَفِي إذَا اقْتَرَنَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْجِهَاتِ غَيْرِ الْمَحْصُورَةِ وَالْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى مَدْلُولِ الْعُرْفِ انْتَهَى.

وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ وَقَفْت وَحَبَسْت يُفِيدَانِ التَّأْبِيدَ سَوَاءٌ أُطْلِقَا أَوْ قُيِّدَا بِجِهَةٍ لَا تَنْحَصِرُ أَوْ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا فِي الصُّورَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا قَالَ وَقْفٌ أَوْ حَبْسٌ عَلَى فُلَانٍ الْمُعَيَّنِ حَيَاتَهُ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ حَيَاتَهُمْ وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ حَيَاتَهُمْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بَعْدَ مَوْتِهِمْ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا وَكَذَلِكَ إذَا ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا فَقَالَ حَبْسٌ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ خَمْسًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَالْمُتَيْطِيُّ. قَالَا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَيْ إذَا ضَرَبَ لِلْوَقْفِ أَجَلًا أَوْ قَيَّدَهُ بِحَيَاةِ شَخْصٍ وَأَمَّا لَفْظُ الصَّدَقَةِ فَلَا يُقَيِّدُ التَّأْبِيدَ إلَّا إذَا قَارَنَهُ قَيْدٌ كَقَوْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ أَوْ جِهَةٌ لَا تَنْقَطِعُ كَصَدَقَةٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ وَالْمُجَاهِدِينَ يَسْكُنُونَهَا أَوْ يَسْتَغِلُّونَهَا أَوْ عَلَى مَجْهُولٍ وَلَوْ كَانَ مَحْصُورًا كَعَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ وَغَيْرَ الْمَحْصُورِ كَعَلَى أَهْلِ الْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ أَوْ الرِّبَاطِ الْفُلَانِيِّ فَإِنْ تَجَرَّدَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُفِيدُ الْوَقْفَ فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ فَهِيَ لَهُ مِلْكٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ فَالنَّاظِرُ يَصْرِفُ ثَمَنَهَا بِاجْتِهَادِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَوْمَ الْحُكْمِ وَلَا يَلْزَمُ التَّعْمِيمُ.

قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَلِلتَّحْبِيسِ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ حَبْسٌ وَوَقْفٌ وَصَدَقَةٌ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَإِنْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَلَا مَحْصُورِينَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الدَّارُ صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ فَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّهَا لِفُلَانٍ مِلْكٌ يَبِيعُهَا وَيَهَبُهَا وَتُورَثُ عَنْهُ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَلَا مَحْصُورِينَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الدَّارُ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ فِي السَّبِيلِ أَوْ عَلَى بَنِي زُهْرَةَ أَوْ بَنِي تَمِيمٍ فَإِنَّهَا تُبَاعُ وَيُتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ عَلَى قَدْرِ الِاجْتِهَادِ إلَّا أَنْ يَقُولَ صَدَقَةٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ يَسْكُنُونَهَا أَوْ يَسْتَغِلُّونَهَا فَتَكُونُ حَبْسًا عَلَى الْمَسَاكِينِ لِلسُّكْنَى وَالِاغْتِلَالِ وَلَا تُبَاعُ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ إلَّا أَنَّهُمْ مَحْصُورُونَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ دَارِي صَدَقَةٌ عَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ هَلْ تَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْعَقِبِ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالْمُحْبِسِ أَوْ تَكُونُ لِآخِرِ الْعَقِبِ مِلْكًا مُطْلَقًا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَكُونُ لِآخِرِ الْعَقِبِ مِلْكًا مُطْلَقًا وَحَكَى ابْنُ عَبْدُوسٍ أَنَّهَا تَرْجِعُ مَرْجِعَ الْأَحْبَاسِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَبَعْضِ رِجَالِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ إنَّ ذَلِكَ إعْمَارٌ وَتَرْجِعُ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْعَقِبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>