للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: رَأَيْت رَجُلًا جَاءَ إلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ أَيَّامًا مَا يُجِيبُهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ، قَالَ: فَأَطْرَقَ طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَا شَاءَ اللَّهُ يَا هَذَا، فَقَالَ: إنِّي إنَّمَا أَتَكَلَّمُ فِيمَا أَحْتَسِبُ فِيهِ الْخَيْرَ وَلَيْسَ أُحْسِنُ مَسْأَلَتَك هَذِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أُحْسِنُهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: إنِّي ضَرَبْت إلَيْك مِنْ كَذَا وَكَذَا لِأَسْأَلَك عَنْهَا، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: فَإِذَا رَجَعْت إلَى مَكَانِك وَمَوْضِعِك فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي قُلْت لَك: لَا أُحْسِنُهَا.

(وُلِدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) بِذِي الْمَرْوَةِ مَوْضِعٌ مِنْ مَسَاجِدِ تَبُوك عَلَى ثَمَانِيَةِ بُرْدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي أَوَّلِ الْمَشَارِقِ: إنَّهُ مَدَنِيُّ الدَّارِ وَالْمَوْلِدِ وَالنَّشْأَةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ ذَا الْمَرْوَةِ مِنْ أَعْمَالِ الْمَدِينَةِ وَوُلِدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ تِسْعِينَ (وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَقَبْرُهُ بِهِ مَعْرُوفٌ وَعَلَيْهِ قُبَّةٌ وَإِلَى جَانِبِهِ قَبْرٌ لِنَافِعٍ قَالَ السَّخَاوِيُّ: أَمَّا نَافِعٌ الْقَارِي أَوْ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَكَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَوِيلًا جَسِيمًا عَظِيمَ الْهَامَةِ أَصْلَعَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ أَبْيَضَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ إلَى الصُّفْرَةِ حَسَنَ الصُّورَةِ أَشَمَّ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ تَامَّهَا تَبْلُغُ صَدْرَهُ ذَاتَ سَعَةٍ وَطُولٍ وَكَانَ يَأْخُذُ آطَارَ شَارِبِهِ وَلَا يَحْلِقُهُ وَيَرَى حَلْقَهُ مُثْلَةً وَكَانَ يَتْرُكُ لَهُ سِبَالَيْنِ طَوِيلَيْنِ وَيَحْتَجُّ بِفَتْلِ عُمَرَ لِشَارِبِهِ إذَا أَهَمَّهُ أَمْرٌ وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ: كَانَ مَالِكٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْلَاهُمْ عَيْنًا وَأَنْقَاهُمْ بَيَاضًا وَأَتَمَّهُمْ طُولًا فِي جُودَةِ بَدَنٍ.

قَالَ الْوَاقِدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَأْتِي الْمَسْجِدَ وَيَشْهَدُ الصَّلَاةَ وَالْجَنَائِزَ وَيَعُودُ الْمَرْضَى وَيَقْضِي الْحُقُوقَ وَيُجِيبُ الدَّعْوَةَ ثُمَّ تَرَكَ الْجُلُوسَ فِي الْمَسْجِدِ فَكَانَ يُصَلِّي وَيَنْصَرِفُ ثُمَّ تَرَكَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ فَكَانَ يَأْتِي أَصْحَابَهَا فَيُعَزِّيهِمْ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَمْ يَكُنْ يَشْهَدُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الْجُمُعَةَ وَلَا يَأْتِي أَحَدًا يُعَزِّيهِ وَلَا يَقْضِي لَهُ حَقًّا فَاحْتَمَلَ النَّاسُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ وَكَانَ رُبَّمَا قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِعُذْرِهِ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمَدَارِكِ ثُمَّ تَرَكَ عِيَادَةَ الْمَرْضَى وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ وَكَانَ أَصْحَابُهَا يَأْتُونَ إلَيْهِ فَيُعَزِّيهِمْ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ: فَاحْتَمَلَ النَّاسُ لَهُ كُلَّ ذَلِكَ وَكَانُوا أَرْغَبَ فِيهِ وَأَشَدَّ تَعْظِيمًا فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ سُئِلَ عَنْ تَخَلُّفِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ سَبْعَ سِنِينَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الدُّنْيَا وَأَوَّلِهِ مِنْ الْآخِرَةِ مَا أَخْبَرْتُكُمْ بِي سَلَسُ بَوْلٍ فَكَرِهْت أَنْ آتِيَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَرِهْت أَنْ أَذْكُرَ عِلَّتِي فَأَشْكُوَ رَبِّي وَقِيلَ: كَانَ اعْتَرَاهُ فَتْقٌ مِنْ الضَّرْبِ الَّذِي ضَرَبَهُ فَكَانَتْ الرِّيحُ تَخْرُجُ مِنْهُ، فَقَالَ: إنِّي أُوذِيَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسَ (وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ ضَرَبَهُ وَفِي سَبَبِ ضَرْبِهِ) فَالْأَشْهَرُ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ فِي وِلَايَتِهِ الْأُولَى بِالْمَدِينَةِ.

وَأَمَّا سَبَبُهُ فَقِيلَ: إنَّ أَبَا جَعْفَرٍ نَهَاهُ عَنْ حَدِيثِ «لَيْسَ عَلَى مُسْتَكْرَهٍ طَلَاقٌ» ثُمَّ دَسَّ إلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، وَقِيلَ: إنَّ الَّذِي نَهَاهُ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَقِيلَ: إنَّهُ سَعَى بِهِ إلَى جَعْفَرٍ وَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَرَى أَيْمَانَ بَيْعَتِكُمْ بِشَيْءٍ، وَقِيلَ: إنَّهُ أَفْتَى عِنْدَ قِيَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَوِيِّ بِأَنَّ بَيْعَةَ أَبِي جَعْفَرٍ لَا تَلْزَمُ لِأَنَّهَا عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ إنَّمَا ضُرِبَ فِي تَقْدِيمِهِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ فَقِيلَ لِابْنِ بُكَيْرٍ: خَالَفْت أَصْحَابَك، فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ مِنْ أَصْحَابِي، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَةِ أَبِي جَعْفَرٍ وَقِيلَ: فِي أَيَّامِ الرَّشِيدِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ ضَرْبِهِ مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى مِائَةٍ وَمُدَّتْ يَدَاهُ حَتَّى انْخَلَعَتْ كَتِفُهُ وَبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مُطَالَ الْيَدَيْنِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْفَعَهُمَا وَلَا أَنْ يُسَوِّيَ رِدَاءَهُ وَلَمَّا حَجَّ الْمَنْصُورُ أَقَادَهُ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَأَرْسَلَهُ لِيَقْتَصَّ مِنْهُ فَقَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا اُرْتُفِعَ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>