للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ» . انْتَهَى.

وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَسَأَلْت مَالِكًا عَنْ لُبْسِ الْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُلْبَسُ فِي الشِّمَالِ وَهَلْ يُسْتَنْجَى بِهِ؟ قَالَ مَالِكٌ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ وَإِنَّ نَزْعَهُ أَحْسَنُ، وَكَذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ وَفِي رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَوَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ فِيهِ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ مَا كُتِبَ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْحُرُوزِ يُجْعَلُ لَهُ خِرْقَةٌ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ: إنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى دَرَاهِمَ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَيُعْطَاهَا نَجِسًا وَأَعْظَمَ ذَلِكَ إعْظَامًا شَدِيدًا وَكَرِهَهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ: وَأَنَا أَسْتَنْجِي بِخَاتَمِي وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِحَسَنٍ مِنْ فِعْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا فَعَلَهُ؛ لِأَنَّهُ عُضَّ بِأُصْبُعِهِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ تَحْوِيلُهُ إلَى الْيَدِ الْأُخْرَى كُلَّمَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَاحْتَاجَ إلَى الِاسْتِنْجَاءِ فَيَكُونُ إنَّمَا تَسَامَحَ فِيهِ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ أَشْبَهُ بِوَرَعِهِ وَفَضْلِهِ، انْتَهَى. وَاَلَّذِي فِي رَسْمِ مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ قِيلَ لَهُ: أَسْتَنْجِي بِهِ وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ: ذَلِكَ عِنْدِي خَفِيفٌ وَلَوْ نَزَعَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَفِي هَذَا سَعَةٌ وَمَا كَانَ مَنْ مَضَى يَتَحَفَّظُ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَنَا أَسْتَنْجِي بِخَاتَمِي وَفِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ وَقَالَ فِي أَوَاخِرِ رَسْمِ الْوُضُوءِ وَالْجِهَادِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مَنْقُوشٌ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ فَقَالَ: إنْ نَزَعَهُ فَحَسَنٌ وَمَا سَمِعْت أَحَدًا انْتَزَعَ خَاتَمَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ اسْتَنْجَى وَهُوَ فِي يَدَيْهِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ الشَّرِيكَيْنِ وَفِي آخِرِ سَمَاعِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ.

وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ الرَّجُلِ يَعْطِسُ وَهُوَ يَبُولُ أَوْ عَلَى حَاجَةٍ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَكْرَهُ ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى حَالَتَيْنِ عَلَى خَلَائِهِ وَهُوَ يُوَاقِعُ أَهْلَهُ وَالدَّلِيلُ لِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رُوِيَ مِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ: أَعُوذُ بِك مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ فِي أَحْيَانِهِ» وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ إنَّ ذِكْرَ اللَّهِ يَصْعَدُ إلَى اللَّهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ دَنَاءَةِ الْمَوْضِعِ شَيْءٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠] فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ إلَّا بِنَصٍّ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَمَنْ ذَهَبَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ عَلَى مَعْنَى إذَا أَرَادَ وَأَطْلَقَ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي بَعْضِ الْآثَارِ وَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ ارْتِفَاعُ النَّصِّ فِي جَوَازِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَنْعُ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ فِي جَوَازِ الذِّكْرِ عُمُومًا وَمَا رُوِيَ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ يَبُولُ، فَقَالَ: إذَا رَأَيْتنِي عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّك إنْ فَعَلْت لَمْ أَرُدَّ عَلَيْك» لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ.

وَقَدْ يُحْتَمَلُ عَدَمَ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ بَعْدَ أَنْ نَهَاهُ أَدَبًا لَهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِكَوْنِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ أَوْ لِكَوْنِهِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ عَلَى مَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ حَتَّى نُسِخَ ذَلِكَ. انْتَهَى، وَقَالَ فِي نَوَازِلِهِ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ، وَإِذَا كَانَ فِي خَاتَمِهِ بِسْمِ اللَّهِ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحَوِّلَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى يَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالْأَمْرُ وَاسِعٌ، انْتَهَى. وَقَالَ فِي الطِّرَازِ: لَمَّا عَدَّ الْآدَابَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُكَلِّمَ أَحَدًا حَالَ جُلُوسِهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُشَمِّتَ عَاطِسًا وَلَا يَحْمَدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>