الشَّهَادَةَ قَدْ تَمَّتْ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِي عَدَالَتِهِمْ وَلَمْ تَتِمَّ فِي الْعَبْدِ، وَتَصِيرُ مِنْ خَطَأِ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الشُّهُودُ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الرَّجْمِ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ عَلِمُوا فَذَلِكَ عَلَى الشُّهُودِ فِي أَحْوَالِهِمْ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْوَجْهَيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلْ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ مُخَالِفٌ فَيَتَخَرَّجُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خِلَافٌ أَمْ لَا؟ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ انْتَقَضَ الْحُكْمُ فِيهَا لِظُهُورِ كَوْنِ الرَّاجِعِ مِنْ الشُّهُودِ عَبْدًا وَإِذَا انْتَقَضَ وَجَبَ حَدُّ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَوَّازِيَّةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمْ يُنْتَقَضْ؛ لِأَنَّ قُصَارَى الْأَمْرِ أَنَّهُ شَهِدَ خَمْسَةٌ وَأُقِيمَ الْحَدُّ فَرَجَعَ اثْنَانِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِنَقْضِ الْحُكْمِ فَلِهَذَا لَمْ تُحَدَّ الثَّلَاثَةُ الْبَاقُونَ، فَإِنْ قُلْت: كَانَ يَنْبَغِي عَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنْ يَسْقُطَ الْحَدُّ عَنْ الْعَبْدِ قُلْت قَذْفُ الْعَبْدِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ سَابِقٌ عَلَى حَدِّ الزِّنَا فَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَانَ مُطَالَبًا بِهِ وَقَدْ ظَهَرَتْ الشُّبْهَةُ فِي زِنَا الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِرُجُوعِ بَعْضِ الشُّهُودِ اُسْتُصْحِبَ الْقَذْفُ وَوَجَبَ حَدُّ الْعَبْدِ وَالْمَسْأَلَةُ مَعَ ذَلِكَ مُشْكِلَةٌ انْتَهَى.
ص (وَإِلَّا فَنِصْفٌ) ش: يَعْنِي وَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ بِالطَّلَاقِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا فَعَلَيْهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ: نَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّهُمَا يَغْرَمَانِ نِصْفَ الصَّدَاقِ وَسَكَتَ عَمَّنْ يَسْتَحِقُّهُ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَفِيهَا إنْ رَجَعَا بَعْدَ قَضَاءِ قَاضٍ عَنْ شَهَادَتِهِمَا بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الْبِنَاءِ فَعَلَيْهِمَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. عِيَاضٌ كَذَا قَيَّدْنَا فِي الْأَصْلِ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: لَمْ يُبَيِّنْ لِمَنْ هَذَا النِّصْفُ وَحَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ عَلَى أَنَّ غُرْمَهُ لِلزَّوْجِ، وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي كِتَابِ الْعُشُورِ مِنْ الْأَسْمِعَةِ وَحَمَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّ غُرْمَهُ لِلْمَرْأَةِ لِيَكْمُلَ لَهَا صَدَاقُهَا الَّذِي أَبْطَلَاهُ عَلَيْهَا بِالْفِرَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَعَلَيْهِ اخْتَصَرَ الْمَسْأَلَةَ الْقَرَوِيُّونَ قَالُوا: وَهُوَ مُقْتَضَى النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ غُرْمَهُ لِلزَّوْجِ لَا وَجْهَ لَهُ إذْ النِّصْفُ عَلَيْهِ مَتَى حَصَلَ الْفِرَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ لَا يَرَيَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَهْرِ شَيْئًا انْتَهَى. وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إلَّا أَنَّ هَذَا أَتَمُّ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ ذِكْرِ خِلَافِ الشَّيْخِ الْمُتَقَدِّمِ، وَانْظُرْ كَلَامَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَمْلِكُ بِالْعَقْدِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَوْ رَجَعَا فِي شَهَادَةِ الدُّخُولِ فِي مُطَلَّقَةٍ لَغَرِمَا نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِقَوْلِهِمْ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ بِالْعَقْدِ النِّصْفَ وَيَلْتَئِمُ مَعَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute