للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الَّذِي يَدَّعِي قَبْلَ الرَّجُلِ حَقًّا فَيَقُولُ: احْلِفْ لِي عَلَى أَنَّ مَا ادَّعَيْت عَلَيْك لَيْسَ بِحَقٍّ وَتَبْرَأُ. فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بَلْ احْلِفْ أَنْتَ وَخُذْ. فَإِذَا هَمَّ الْمُدَّعَى أَنْ يَحْلِفَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ: لَا أَرْضَى بِيَمِينِك وَلَا أَظُنُّك تَجْتَرِئُ عَلَى الْيَمِينِ.

وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ وَلَكِنْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ عَلَى مَا أَحَبَّ الْآخَرُ أَوْ كَرِهَ لِأَنَّهُ قَدْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَأَقَرَّهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُتَكَرِّرَةٌ فِي هَذَا السَّمَاعِ مِنْ كِتَابِ الدَّعْوَى وَمِثْلُهُ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْيَمِينِ بَعْدَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي. وَاخْتُلِفَ هَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا بَعْدَ أَنْ نَكَلَ عَنْهَا مَا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي فَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الدِّيَاتِ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ اهـ وَانْظُرْ رَسْمَ الْغِيلَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّيَاتِ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَقَدْ فَرَّقَ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ الْإِقْرَارِ

ص (وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ)

ش: خَتَمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابَ الشَّهَادَاتِ بِالْكَلَامِ عَلَى الْحِيَازَةِ لِأَنَّهَا كَالشَّاهِدِ عَلَى الْمِلْكِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمٍ سَلَفَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: الْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمَحُوزِ عَنْهُ إلَى الْحَائِزِ بِاتِّفَاقٍ وَلَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْقَوْلُ مَعَهَا قَوْلُ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ «لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» لِأَنَّ الْمَعْنَى عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ لَهُ أَيْ أَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُهُ لَهُ بِدَعْوَاهُ فَإِذَا حَازَ الرَّجُلُ مَال غَيْرُهُ فِي وَجْهِهِ مُدَّةً تَكُونُ فِيهَا الْحِيَازَةُ عَامِلَةً وَهِيَ عَشَرَةُ أَعْوَامٍ دُونَ هَدْمٍ وَلَا بُنْيَانٍ أَوْ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ هَذَا وَادَّعَاهُ مِلْكًا لِنَفْسِهِ بِابْتِيَاعٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ انْتَهَى. وَسَوَاءٌ ادَّعَى صَيْرُورَةَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْمُدَّعِي أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ صَارَ إلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَأَمَّا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ مِلْكُ الْمُدَّعِي وَصَارَ إلَيْهِ بِصَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ فَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الِاسْتِحْقَاقِ.

وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ قَالَ فِي الشَّامِلِ وَفِي يَمِينِ الْحَائِزِ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ وَالْقَوْلُ بِنَفْيِ الْيَمِينِ عَزَاهُ فِي التَّوْضِيحِ لِظَاهِرِ نَقْلِ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ وَالْقَوْلُ بِالْيَمِينِ عَزَاهُ لِصَرِيحِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَهُوَ أَقْوَى وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَالْحِيَازَةُ تَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ أَضْعَفُهَا حِيَازَةُ الْأَبُ عَنْ ابْنِهِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْأَقَارِبِ الشُّرَكَاءِ بِالْمِيرَاثِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْقَرَابَةِ فِيمَا لَا شِرْكَ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَالْمَوَالِي وَالْأُخْتَانِ الشُّرَكَاءُ بِمَنْزِلَتِهِمْ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ الْمَوَالِي وَالْأُخْتَانِ فِيمَا لَا شِرْكَ بَيْنَهُمْ فِيهِ وَيَلِيهَا حِيَازَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>