فِيمَنْ تَوَضَّأَ لِنَافِلَةٍ. قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهَذَا يُوهِمُ بِظَاهِرِهِ أَنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّافِلَةِ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ غَيْرُهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدْ فَسَّرَهُ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ فَقَالَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ طُهْرٌ عَلَى طُهْرٍ لَا عَلَى الْإِيجَابِ يُرِيدُ كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَدِّدَ لِلْفَرْضِ طُهْرًا اُسْتُحِبَّ أَيْضًا فِي النَّافِلَةِ مِثْلُهُ، انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي أَوَائِلِ تَبْصِرَتِهِ وَلَا فَضِيلَةَ فِي تَكْرَارِ الْغُسْلِ عَقِيبَ الْغُسْلِ وَلَا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَهُوَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ إلَّا مَا وَرَدَتْ فِيهِ السُّنَّةُ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ وَوُقُوفِ عَرَفَةَ، انْتَهَى. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْوُضُوءُ الْمَمْنُوعُ تَجْدِيدُهُ قَبْلَ أَدَاءِ فَرِيضَةٍ بِهِ وَفِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لِلشَّبِيبِيِّ فِي الْوُضُوءِ الْمُسْتَحَبِّ وَتَجْدِيدُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَ صَلَاةٍ فَرْضٌ ثُمَّ قَالَ: الْمَمْنُوعُ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ تَجْدِيدُهُ قَبْلَ صَلَاةِ فَرْضٍ بِهِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ وَفِعْلُهُ لِغَيْرِ مَا شُرِعَ لَهُ أَوْ أُبِيحَ، انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُجَدِّدُ إذَا صَلَّى وَفَعَلَ فِعْلًا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُجَدِّدُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ، انْتَهَى. وَقَالَ الشَّيْخُ زَرُّوق فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي قَوْلِهِ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَأَهَّبَ لِذَلِكَ بِالْوُضُوءِ وَبِالطُّهْرِ إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الطُّهْرُ وَإِنَّمَا شُرِطَ فِي الِاسْتِعْدَادِ بِالْغُسْلِ وُجُوبُهُ دُونَ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْدَادَ بِهِ يَكُونُ دُونَ وُجُوبٍ إذْ يُسْتَحَبُّ تَجْدِيدُهُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ بَعْدَ صَلَاتِهِ بِهِ وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا فَرْضًا بِخِلَافِ الْغُسْلِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَلْ رُبَّمَا كَانَ بِدْعَةً وَإِنْ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْعِبَادِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(تَنْبِيهٌ) إنْ لَمْ يُصَلِّ بِالْوُضُوءِ فَلَا يُعِيدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ تَوَضَّأَ أَوَّلًا وَاحِدَةً وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي قَوْلِ الرِّسَالَةِ وَلَكِنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُفْعَلُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَلَوْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ بَانَ الطُّهْرُ لَمْ يُعِدْ)
ش وَانْظُرْ هَلْ يُؤْمَرُ بِالْقَطْعِ أَوْ بِالتَّمَادِي يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ عَنْ صَاحِبِ الطِّرَازِ وَالْبَاجِيِّ عَنْ سَنَدٍ، وَسُئِلَ عَمَّنْ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَيَجِدُ بَلَلًا فَيَقْطَعُ فَلَا يَبْدُ شَيْئًا ثُمَّ يَعْرِضُ لَهُ ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَيَجِدُ الْبَلَلَ كَيْفَ يَصْنَعُ هَلْ يُجْزِئُهُ التَّمَادِي عَلَى الشَّكِّ وَيَخْتَبِرُ بَعْدَ السَّلَامِ؟ فَأَجَابَ أَنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ وَيَسْتَبْرِئُ فَإِنْ تَمَادَى عَلَى الشَّكِّ وَظَهَرَتْ السَّلَامَةُ صَحَّتْ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَعَادَهَا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ، انْتَهَى، مِنْ مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ.
ص (وَمَسُّ مُصْحَفٍ وَإِنْ بِقَضِيبٍ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْمُحْدِثَ يُمْنَعُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ، هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ أَنَّ فِي «كِتَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرًا» وَيَحْرُمُ مَسُّ جِلْدِهِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: وَأَحْرَى طَرَفُ الْوَرَقِ الْمَكْتُوبِ وَمَا بَيْنَ الْأَسْطُرِ مِنْ الْبَيَاضِ وَيَحْرُمُ مَسُّهُ وَلَوْ بِقَضِيبٍ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ عَنْ ابْنِ بُكَيْرٍ: وَلَا يُقَلِّبُ وَرَقَهُ بِعُودٍ وَلَا بِغَيْرِهِ، انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ يُقَلَّبُ لَهُ أَوْرَاقُهُ وَلَا يَجُوزُ مَسُّ جِلْدِ الْمُصْحَفِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَمَسَّ الطُّرَةَ وَالْهَامِشَ وَالْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْأَسْطُرِ وَلَوْ بِقَضِيبِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مُصْحَفًا جَامِعًا أَوْ جُزْءًا أَوْ وَرَقَةً فِيهَا بَعْضُ سُورَةٍ أَوْ لَوْحًا أَوْ كَتِفًا مَكْتُوبَةً انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالْحُكْمُ فِي كُتُبِ الْمُصْحَفِ كَالْحُكْمِ فِي مَسِّهِ، انْتَهَى. وَنَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَاسْتَخَفَّ مَالِكٌ أَنْ يَكْتُبَ الْآيَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْكِتَابِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَلَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَكْتُبَ صَحِيفَةً فِيهَا الْبَسْمَلَةُ وَشَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْمَوَاعِظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute