النَّوَادِرِ أَيْضًا قَبْلَ ذَلِكَ بِنَحْوِ الْوَرَقَةِ فِي بَابِ الْوَصَايَا سُؤَالٌ سَأَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَنَصُّهُ: الْمُقْدِمُ عَلَى تَنْفِيذِ ثُلُثِ الْمَيِّتِ إذَا أَرَادَ مُقَارَبَةَ الْوَرَثَةِ وَمُسَامَحَتُهُمْ، وَقَدْ جُعِلَ لَهُ فِي التَّقْدِيمِ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ حَاكِمٍ وَغَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ هَلْ لِلْحَاكِمِ النَّظَرُ فِي تَحْصِيلِ الثُّلُثِ وَالْحَوْطَةُ عَلَيْهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُفَوِّضُ نَظَرَهُ إلَيْهِ إذْ التَّفْوِيضُ إنَّمَا هُوَ فِي التَّفْرِيقِ وَحْدَهُ أَمْ لَا سَبِيلَ لِلْحَاكِمِ إلَيْهِ؟ فَأَجَابَ لَا يَجُوزُ لِلْمُقْدِمِ عَلَى تَنْفِيذِ الثُّلُثِ مُقَارَبَةُ الْوَرَثَةِ وَلَا مُسَامَحَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ اتَّهَمَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ شَرَكَ مَعَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي تَحْصِيلِ الثُّلُثِ ثُمَّ يَكِلُ تَنْفِيذَ ذَلِكَ إلَيْهِ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي جُعِلَ تَنْفِيذُهَا فِيهِ أَوْ بِمَا يَرَاهُ بِاجْتِهَادٍ إنْ كَانَ فُوِّضَ إلَيْهِ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ، لِقَوْلِ الْمُوصِي وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ مِنْ حَاكِمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَذَا فِي الْوَصِيِّ الْمَأْمُونِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْمَأْمُونِ الَّذِي يُخْشَى عَلَيْهِ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَلَا يُنَفِّذُهَا فَيُكَلِّفُهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَنْفِيذِهَا عَلَى مَعْنَى مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ ضَمِنَ إنْ كَانَ سَارِقًا مُعْلِنًا، وَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا وَلَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ اُسْتُحْلِفَ وَلَمْ يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يَنْكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَأْمُونٌ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ هُوَ فِي رَسْمِ الْوَصَايَا مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا الثَّانِي، وَنَصُّهُ: " وَسَمِعْته يُسْأَلُ عَمَّنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِوَصَايَا مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يَكْشِفُوهُ عَنْهَا وَأَنْ يُطْلِعَهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَّا الصَّدَقَةُ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَكْشِفُوهُ عَنْهَا إذَا كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَفِيهًا مُعْلِنًا مَارِقًا فَيُكْشَفُ عَنْ ذَلِكَ وَلَهُمْ أَنْ يَكْشِفُوهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ وَلَا سَفِيهٍ عَنْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَعْقِدُ لَهُمْ الْوَلَاءَ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُوصَى إلَيْهِ سَفِيهًا مُعْلِنًا فَأَرَى أَنْ يُكْشَفَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنَّ مِنْ الْأَوْصِيَاءِ مَنْ يَقْبِضُ عَنْ الْوَصِيَّةِ فَلَا يُنَفِّذُ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا كَمَا قَالَ أَنَّ الْوَصِيَّ يَكْشِفُ عَمَّا جُعِلَ إلَيْهِ مِنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَبْقَى فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْوَرَثَةِ إذَا كَانَ سَفِيهًا مُعْلِنًا مَارِقًا يُبَيِّنُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَقُومُوا مَعَهُ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَبْقَى لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالْعِتْقِ وَشِبْهِهِ
وَقَوْلُهُ إنَّهُ يُكْشَفُ عَنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ سَفِيهًا مُعْلِنًا مَارِقًا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُكَلَّفُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فَأَمَّا إنْ لَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ نَقِيضُهُ عَلَيْهَا أَوْ اسْتِهْضَامُهُ لَهَا ضَمَّهُ إيَّاهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنْ الِاشْتِهَارِ بِالسَّفَهِ وَالْمُرُوقِ وَاتُّهِمَ اُسْتُحْلِفَ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالثِّقَةِ لَمْ تَلْحَقْهُ يَمِينٌ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الثِّقَةِ وَالْعَدَالَةِ حَتَّى يُعْرَفَ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ اهـ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَنَصُّ مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ سَحْنُونٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْت مَالِكًا قَالَ فِي الرَّجُلِ يُوصِي بِأَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ وَأَنْ يُحْمَلَ عَنْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَسْتَخْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَارِثًا فَيُرِيدُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَنْ يُنَفِّذَ ذَلِكَ وَيَنْظُرَ فِيهِ مَعَهُ قَالَ إنْ كَانَ وَارِثًا رَأَيْت ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَخْلَفَ وَارِثًا فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا فِيمَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ لِلْوَرَثَةِ كَالْعِتْقِ، وَمَا أَشْبَهَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَخْلَفَ عَلَى تَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ وَارِثًا مِنْ وَرَثَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغِيبَ عَلَى تَنْفِيذِ ذَلِكَ دُونَ سَائِرِهِمْ، وَلِمَنْ قَامَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يُنَفِّذَ ذَلِكَ وَيَنْظُرَ مَعَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ أَوْصَى إلَيْهِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ سَوَاءٌ سَمَّى الْمَيِّتَ مَا يُنَفِّذُهَا فِيهِ مِنْ عِتْقٍ أَوْ صَدَقَةٍ، قَالَ فِي الْبَيَانِ أَوْ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ أَوْ كَانَ قَدْ فَوَّضَ إلَيْهِ حَيْثُ أَرَاهُ اللَّهُ، وَأَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَارِثٍ عَلَيْهِ أَنْ يُنَفِّذَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِحَضْرَتِهِمْ وَلَا لَهُمْ أَنْ يَكْشِفُوهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ فِي الرِّوَايَة إلَّا فِيمَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ لِلْوَرَثَةِ كَالْعِتْقِ وَشِبْهِهِ
وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي تَبْقَى فِي الْعِتْقِ هُوَ الْوَلَاءُ الَّذِي يَنْجَرُّ عَنْ الْمُتَوَفَّى إلَى مِنْ يَرِثُهُ عَنْهُ فَلَا يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْوَرَثَةُ دُونَ غَيْرِهِمْ إذْ قَدْ يَرِثُهُ مَنْ لَا يَنْجَرُّ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute