للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ أَطْلَقَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا إذَا كَانَ الْوَالِي يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ، وَكَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَبِعَ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ حَيْثُ قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ فَبَيْتُ الْمَالِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ: لِذَوِي الْأَرْحَامِ، وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُتَصَدَّقُ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَطْلَقَ فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي جَعَلَهُ الْمَشْهُورَ: أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ وَارِثٌ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمَا إذَا كَانَ الْوَالِي يَصْرِفُهُ فِي مَصَارِفِهِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَقَبِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَلَامَهُ، وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي التَّوْضِيحِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ، فَأَطْلَقَ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ وَارِثٌ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ: أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ وَارِثٌ إذَا كَانَ يَصْرِفُهُ فِي وُجُوهِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي الْمُنْتَقَى فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَصَايَا: مَسْأَلَةٌ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُتَصَدَّقُ بِمَا تَرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يُخْرِجُهُ فِي وَجْهِهِ مِثْلَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ مَنْ أَعْتَقَ نَصْرَانِيًّا فَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَلْيُتَصَدَّقْ بِمَالِهِ وَلَا يُجْعَلْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَالِيَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِهِ وَلَا يَصْرِفَهُ فِي غَيْرِ وُجُوهِ الْبِرِّ، فَإِذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَصْرِفُهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ سَاغَ لِمَنْ كَانَ بِيَدِهِ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ انْتَهَى.

وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، ثُمَّ قَالَ: مَسْأَلَةٌ وَمَنْ أَوْصَى لَهُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِجَمِيعِ مَا لَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَا عَنْ الْمَيِّتِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مِلْكَ الْمُوصِي قَدْ زَالَ عَنْ ثُلُثَيْ مَالِهِ بِالْمَوْتِ إلَى وَارِثٍ مُعَيَّنٍ فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ تَصَدَّقَ بِهِ عَمَّنْ صَارَ إلَيْهِ اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْوَصَايَا الْأَوَّلَ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمُتَقَدِّمِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي كَافِيهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ وَلَا وَلَاءٌ فَبَيْتُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي وَجْهِهِ وَلَا يُرَدُّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَا إلَى ذَوِي السِّهَامِ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت، وَقَالَ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقَتِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِبَيْتِ الْمَالِ فِي وَقْتٍ يَكُونُ الْإِمَامُ فِيهِ عَادِلًا وَإِلَّا فَلْيُرَدَّ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ. الْبَاجِيُّ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا لِمُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ يُتَصَدَّقُ بِمَا تَرَكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يُخْرِجُهُ فِي وَجْهِهِ مِثْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلْيُدْفَعْ إلَيْهِ وَكَذَا مَنْ أَعْتَقَ نَصْرَانِيًّا وَمَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَلَا وَارِثَ لَهُ تُصُدِّقَ بِمَالِهِ وَلَا يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَحَكَاهُ الصَّقَلِّيُّ، وَقَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مَنْ أَوْصَى بِكُلِّ مَالَهُ وَلَا وَارِثَ لَهُ قِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَقِيلَ: وَصِيَّتُهُ مَاضِيَةٌ هَذَا إنْ أَوْصَى بِهِ لِلْأَغْنِيَاءِ أَوْ فِيمَا لَا يَصْرِفُهُ فِيهِ الْإِمَامُ أَوْ وَلِيُّهُ وَلَوْ جَعَلَهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَفِيمَا لَوْ رَفَعَهُ إلَى الْإِمَامِ لَقَضَى فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لَمْ تُغَيَّرْ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ صَوَابًا وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ هَلْ هُوَ كَالْفَيْءِ يَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ أَوْ يُقْصَرُ عَلَى الْفُقَرَاءِ انْتَهَى.

وَقَالَ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي عُمْدَتِهِ: الْمَذْهَبُ أَنَّ مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَأَنَّهُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ وَلَا يَرِثُهُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَقِيلَ: بَلْ يَرِثُ بِالرَّدِّ وَالرَّحِمِ انْتَهَى. وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَا أَبْقَتْ الْفُرُوضُ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْمَوَالِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَلِبَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ عُدِمَ فَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا بِالرَّدِّ وَلَا بِالرَّحِمِ وَوَرِثَهُمَا الْمُتَأَخِّرُونَ انْتَهَى.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ الْبُحَيْرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ الْمُعْتَمَدِ نَحْوَ عِبَارَةِ الْعُمْدَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَحَكَى صَاحِبُ عُيُونِ الْمَسَائِلِ اتَّفَقَ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالرَّدِّ عَلَى ذَوِي السِّهَامِ انْتَهَى.

، وَقَوْلُهُ: فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>