للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ فِي أَصْلِ التَّخَاطُبِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ صَالِحٌ لُغَةً فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْوَقْتُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ أَدَاءٌ وَقَضَاءٌ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتَيْنِ جَمَعَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الْأَوْقَاتَ، وَقِيلَ: إنَّمَا جَمَعَهَا لِأَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ كَمَا سَيَأْتِي.

لَا يُقَالُ: إنَّ زَمَنَ الْقَضَاءِ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ قِسْمًا مِنْهُ، وَلِذَلِكَ حَدَّ بَعْضُهُمْ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ إيقَاعُ الْعِبَادَةِ خَارِجَ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِالْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ أَنْ تُفْعَلَ فِيهِ الصَّلَاةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُكَلَّفَ قَدْ يُوقِعُهَا خَارِجَ وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا إمَّا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَعَرَّفَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ بِأَنَّهُ مَا قُيِّدَ الْفِعْلُ بِهِ أَوَّلًا فَقَوْلُهُ مَا أَيْ: وَقْتٌ قُيِّدَ الْفِعْلُ بِهِ بِخِطَابٍ أَوَّلًا فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ قُيِّدَ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ وَقْتٌ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا وَقْتًا فَلَا تُوصَفُ بِالْأَدَاءِ وَلَا بِالْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ أَوَّلًا احْتِرَازٌ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ بِخِطَابٍ ثَانٍ بِنَاءً عَلَى رَأْيِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْقَضَاءَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ كَوَقْتِ الذِّكْرِ لِلنَّاسِي، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ ذِكْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِمَنْ نَسِيَهَا فَإِنَّهُ قَيَّدَ بِهِ الْفِعْلَ ثَانِيًا بِخِطَابٍ لَكِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» هَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ فِعْلًا أَوَّلًا لِيُخْرِجَ الْإِعَادَةَ كَمَا قَالَ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ وَقَدْ حَكَى عَنْ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّهُ قَالَ: احْتَرَزْتُ بِقَوْلِي أَوَّلًا مِنْ الْإِعَادَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْإِعَادَةُ خَارِجَةً عَنْ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ شَرْعًا كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ فِي الْأُصُولِ لِيُخْرِجَ بِذَلِكَ مَا قُيِّدَ الْفِعْلُ بِهِ، وَلَا شَرْعًا كَمَا إذَا قَيَّدَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ بِوَقْتٍ وَكَتَعْيِينِ الْإِمَامِ لِأَخْذِ الزَّكَاة شَهْرًا لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا حَدَّ هُنَا وَقْتَ الصَّلَاةِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ بِخِلَافِ الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى الْأَدَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَقْتُ الْأَدَاءِ ابْتِدَاءُ تَعَلُّقِ وُجُوبِهَا بِاعْتِبَارِ الْمُكَلَّفِ، وَالْقَضَاءِ انْقِطَاعُهُ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَضَاءُ مَا بَعْدَ الْأَدَاءِ. وَيَنْقَسِمُ وَقْتُ الْأَدَاءِ إلَى اخْتِيَارِيٍّ وَضَرُورِيٍّ فَالِاخْتِيَارِيُّ هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي لَمْ يُنْهَ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ وَالضَّرُورِيُّ هُوَ الَّذِي نُهِيَ عَنْ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ إلَيْهِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعِصْيَانِ وَالْأَدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي وَفَسَّرَ الْمَازِرِيُّ الِاخْتِيَارَ بِأَنَّهُ وَقْتُ مُطَابَقَةِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فَيَتَنَافَى الْأَدَاءُ وَالْعِصْيَانُ وَقَدْ يَكُونُ وَقْتُ الضَّرُورِيِّ لِغَيْرِ ذِي عُذْرٍ قَضَاءً وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ قَوْلَ ابْنِ الْقَصَّارِ إنَّ الضَّرُورِيَّ وَقْتُ أَدَاءً قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَعَزَا التُّونُسِيُّ التَّنَافِيَ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالْعِصْيَانِ لِلْمُخَالِفِ، وَنَفْيُهُ لَنَا، وَزَادَ صَاحِبُ الطِّرَازِ قِسْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَقْتَ الرُّخْصَةِ وَالْعُذْرِ وَوَقْتَ سُنَّةٍ يُشْبِهُ الرُّخْصَةَ فَوَقْتُ الْعُذْرِ وَالرُّخْصَةِ هُوَ مَا قَبْلَ الْقَامَةِ لِلْعَصْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَتَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى بَعْدَ الْقَامَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْعِشَاءَيْنِ. وَوَقْتُ السُّنَّةِ الْمُشَابِهِ لِلرُّخْصَةِ تَقْدِيمُ الْعَصْرِ بِعَرَفَةَ وَتَأْخِيرُ الْمَغْرِبِ لِلْمُزْدَلِفَةِ. وَيَنْقَسِمُ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى وَقْتِ فَضِيلَةٍ وَوَقْتِ تَوْسِعَةٍ فَوَقْتُ الْفَضِيلَةِ مَا تَرَجَّحَ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى فِعْلِهَا فِي غَيْرِهِ مِنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ. وَوَقْتُ التَّوْسِعَةِ مَا تَرَجَّحَ فِعْلُهَا فِي غَيْرِهِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ.

(فَرْعٌ) وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَوْنِ الْوُجُوبِ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَقْتِ الْأَدَاءِ، أَوْ بِمَا يَسَعُ الْفِعْلَ مِنْهُ مَجْهُولًا وَوَقَعَ الْفِعْلُ فِيهِ بِعَيْنِهِ فَعَزَا الْمَازِرِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِلْجُمْهُورِ وَعَزَاهُ الْبَاجِيُّ لِأَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَجَعَلَ الثَّانِيَ تَخْرِيجًا وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ.

(فَرْعٌ) وَاخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ الْعَزْمُ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَا؟ فَاشْتَرَطَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْرُهُ وَقَالَ الْعَزْمُ ثَابِتٌ بِاعْتِبَارِ الْوُجُوبِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَاجِيِّ، وَغَيْرُهُ لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَزْمَ بِوَجْهٍ انْتَهَى. وَعَزَا ابْنُ عَرَفَةَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ لِلْقَاضِي وَالْمَازِرِيِّ.

ص (لِلظُّهْرِ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ لِآخِرِ الْقَامَةِ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ)

ش:

<<  <  ج: ص:  >  >>