الشَّافِعِيُّ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكَلِ الْآثَارِ وَفِيهِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ صَلَاتُهُ إلَى الْبَيْتِ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) لَفْظُ الْأُمِّ أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ، وَقَوْلُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى الْبَيْتِ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَمَّنِي عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهُ.
(فَائِدَةٌ أُخْرَى) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: " هَذَا وَقْتُكَ وَوَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ " لَا تُوجَدُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ بِغَيْرِ ظِلِّ الزَّوَالِ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْقَامَةَ إنَّمَا تَعْتَبِرُ بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ وَهُوَ الظِّلُّ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ يَزِيدُ فِي الشِّتَاءِ وَيَنْقُصُ فِي الصَّيْفِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَقَدْ يُعْدَمُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ قَدْرَ الْمَيْلِ الْأَعْظَمِ فَأَقَلَّ، وَالْمَيْلُ الْأَعْظَمُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً تَقْرِيبًا وَعَرْضُ الْبَلَدِ عِبَارَةٌ عَنْ بُعْدِهَا عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ أَيْ وَسَطِ الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ فَيُعْدَمُ الظِّلُّ فِيهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي السَّنَةِ وَذَلِكَ فِي آخِرِ فَصْلِ الرَّبِيعِ أَعْنِي إذَا كَانَتْ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الْجَوْزَاءِ فَتَكُونُ الشَّمْسُ حِينَئِذٍ مُسَامِتَةً لِرُءُوسِهِمْ عِنْدَ الزَّوَالِ وَإِذَا كَانَ عَرْضُ الْبَلَدِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَيُعْدَمُ الظِّلُّ فِيهَا فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي فَصْلِ الرَّبِيعِ وَمَرَّةً وَفِي فَصْلِ الصَّيْفِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ مَيْلُ الشَّمْسِ قَدْرَ عَرْضِ الْبَلَدِ كَمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَإِنَّ عَرْضَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ دَرَجَةً فَإِذَا كَانَ مَيْلُ الشَّمْسِ إحْدَى وَعِشْرِينَ دَرَجَةً كَانَتْ الشَّمْسُ مُسَامِتَةً لِرُءُوسِهِمْ فَيُعْدَمُ الظِّلُّ حِينَئِذٍ عِنْدَ الزَّوَالِ وَيُعْرَفُ الزَّوَالُ فِي يَوْمِ الْمُسَامَتَةِ بِوُجُودِ الظِّلِّ بَعْدَ انْعِدَامِهِ وَيُعْرَفُ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ بِأَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُسَامَتَةَ الْحَقِيقِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ، أَوْ فِي يَوْمَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنَّ مَا قَارَبَ يَوْمَ الْمُسَامَتَةِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مِمَّا لَا يَظْهَرُ فِيهِ لِلظِّلِّ وُجُودٌ مَحْسُوسٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ يَوْمِ الْمُسَامَتَةِ، وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي يَكُونُ عَرْضُهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً فَلَا يُعْدَمُ فِيهَا ظِلُّ الزَّوَالِ دَائِمًا كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فَيَكْثُرُ فِي أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَيَقِلُّ فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْبِلَادِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَقْدَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو مُقْرَعٍ لِلزَّوَالِ إلَّا فِي بِلَادِ مَرَّاكُشَ وَمَا كَانَ مِثْلَهَا فِي الْعَرْضِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ وَظِلِّ الزَّوَالِ أَنْ تَنْصِبَ شَاخِصًا فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ قُرْبَ الزَّوَالِ وَتُعَلِّمَ عَلَى رَأْسِ ذَلِكَ عَلَامَةً، أَوْ تُدِيرَ عَلَيْهِ قَوْسًا ثُمَّ تَنْظُرُ إلَى الظِّلِّ فَإِنْ نَظَرْتَهُ نَقَصَ عَلَّمْتَ عَلَامَةً أُخْرَى، وَلَا تَزَالُ تَفْعَلُ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَجِدَهُ قَدْ زَالَ فَإِنْ زَالَ فَذَلِكَ هُوَ الزَّوَالُ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالظِّلُّ الْمَوْجُودُ حِينَئِذٍ هُوَ ظِلُّ الزَّوَالِ. وَآخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ أَنْ يَزِيدَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بَعْدَ الظِّلِّ الْمَوْجُودِ حِينَئِذٍ قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْمِثْلِ وَالْمِثْلَيْنِ هُوَ مِنْ الزِّيَادَةِ الَّتِي تَزُولُ عَنْهَا الشَّمْسُ وَمَا قَبْلَهُ لَا حُكْمَ لَهُ انْتَهَى.
فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ كَمْ ظِلُّ الزَّوَالِ بِالْأَقْدَامِ فَقِسْ ذَلِكَ حِينَئِذٍ بِقَدَمَيْكَ وَذَلِكَ بِأَنْ تَقِفَ قَائِمًا مُعْتَدِلًا غَيْرَ مُنَكِّسٍ رَأْسَكَ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَتَخْلَعَ نَعْلَيْكَ وَتَسْتَدْبِرَ الشَّمْسَ، أَوْ تَسْتَقْبِلَهَا وَتُعَلِّمَ عَلَى طَرَفِ ظِلَّكَ عَلَامَةً أَوْ تَأْمُرَ مَنْ يُعَلِّمُ لَكَ إنْ كُنْتَ مُسْتَقْبِلًا لِلشَّمْسِ ثُمَّ تَكِيلَ ظِلَّكَ بِقَدَمَيْكَ فَذَلِكَ هُوَ ظِلُّ الزَّوَالِ، وَهَذَا الطَّرِيقُ عَامٌّ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. وَإِذَا أَرَدْتَ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ فَلْتَزِدْ عَلَى مَا كِلْتَهُ سَبْعَةَ أَقْدَامٍ وَهُوَ قَدْرُ الْقَامَةِ بِالْأَقْدَامِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ وَابْنُ الشَّاطِّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ عُلَمَاءِ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ طُولُ الْقَامَةِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَثُلُثَانِ، وَقِيلَ: سِتٌّ وَنِصْفٌ، وَإِنَّمَا أَطَلْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ هُنَا عِبَارَاتٌ غَيْرُ مُحَرَّرَةٍ، وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ مِنْ الشُّيُوخِ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) تَقَدَّمَ أَنَّ الزَّوَالَ يُعْرَفُ بِزِيَادَةِ الظِّلِّ، وَهَذَا هُوَ الطَّرِيقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute