للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِقْيَاسٍ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ» انْتَهَى.

وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَائِلِهِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا قَبُولُ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ مُطْلَقًا أَيْ: فِي الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إذَا كَانَ عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ بِالْآلَاتِ مِثْلَ الرَّمْلِيَّاتِ وَالْمُنْقَالَاتِ وَغَيْرِهَا نُصَّ عَلَى هَذَا الْعُمُومِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ مِنْ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ انْتَهَى. وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ الْحَادِي وَالسَّبْعِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْرَفُ بِهِ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ لِجَوَازِ التَّقْلِيدِ فِي الْأَوْقَاتِ قَالَ فِي الطِّرَازِ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي الْأَوْقَاتِ إلَّا الزَّوَالَ؛ لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ التَّقْلِيدِ انْتَهَى.

(قُلْتُ:) وَلَيْسَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ الْمُتَقَدِّمِ اسْتِثْنَاءُ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ اسْتِثْنَاءَ الظُّهْرِ مِنْ الْقَرَافِيِّ عَنْ ابْنِ الْقَصَّارِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِي مِنْ الْفُرُوقِ وَذَكَرَ ابْنُ الْقَصَّارِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْقَرَافِيُّ مَنَعَ ابْنَ الْقَصَّارِ التَّقْلِيدَ فِي دُخُولِ وَقْتِهَا، وَلَوْ لِعَامِّيٍّ لِوُضُوحِهِ فَأَوْرَدَ وَقْتَ الْمَغْرِبِ فَيُجَابُ بِأَنَّ وُضُوحَ وَقْتِ الظُّهْرِ لِتَأْخِيرِهَا عَنْ الزَّوَالِ، وَالْمَغْرِبُ الْمَطْلُوبُ إيقَاعُهَا إثْرِهِ وَيَجِبُ كَوْنُ الْجُمُعَةِ كَالْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ إيقَاعُهَا عَقِبَ الزَّوَالِ كَمَا سَيَأْتِي انْتَهَى.

وَنَصُّ مَا فِي الْكِتَابِ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَيَجُوزُ تَصْدِيقُ الْمُؤَذِّنِ الْعَدْلِ الْعَارِفِ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ قَالَ: وَإِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِالْفَجْرِ فَلْيَكُفَّ وَلْيَسْأَلْ الْمُؤَذِّنَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَعْمَلُ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَدْلًا، وَلَا عَارِفًا فَلْيَقْضِ انْتَهَى.

ثُمَّ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ عَنْ السُّيُورِيِّ مَا نَصُّهُ: يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ إقَامَتُهُ وَمِنْ إقَامَةِ الْحَقِّ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْأَوْقَاتِ مَنْ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ سَبْقِهِ فَإِنْ انْتَهَوْا وَإِلَّا تُوُعِّدُوا فَإِنْ عَادُوا سُجِنُوا وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: وَمَنْ تَعَدَّى بَعْدَ النَّهْيِ عُوقِبَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ التُّونُسِيِّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا، أَوْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ وَلَا يُقْتَدَى بِهِ وَيُنْهَى أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأَذَانِ أَشَدَّ النَّهْيِ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ أَدَبًا وَجِيعًا وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَمَنْ صَلَّى بِتَقْلِيدِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ انْتَهَى. فَتَحَرَّرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي الْأَوْقَاتِ لِمَنْ كَانَ عَدْلًا عَارِفًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ فِي الْمَدْخَلِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ فَرْضٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُكَلَّفٍ انْتَهَى. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهَا وَلَكِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى يَعْرِفَ أَنَّ الْوَقْتَ دَخَلَ إمَّا بِالطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ لِذَلِكَ أَوْ بِتَقْلِيدِ مَنْ هُوَ عَدْلٌ عَارِفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّالِثُ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً، وَلَمْ تَظْهَرْ الشَّمْسُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْوَقْتَ انْتَهَى. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إذَا امْتَنَعَ الِاسْتِدْلَال بِتَزَايُدِ الظِّلِّ تَكُونُ الشَّمْسُ مَحْجُوبَةً بِالْغَيْبِ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَدْرَ مَا مَضَى لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِهِمْ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ فِي يَوْمِ الصَّحْوِ فَيَقِيسُونَ يَوْمَهُمْ بِأَمْسِهِمْ فَيَعْرِفُونَ بِذَلِكَ الْوَقْتَ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الْجَوَاهِرِ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ فَلْيَجْتَهِدْ وَيَسْتَدِلَّ بِمَا يُغَلِّبُ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولَهُ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ فَلْيَسْتَدِلَّ بِالْأَوْرَادِ وَأَعْمَالِ أَرْبَابِ الصِّنَاعَاتِ وَشِبْهِ ذَلِكَ وَيَحْتَاطُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَخْبَرَنِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْغَيْمِ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ وَتَعْجِيلَ الْعَصْرِ وَتَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي اللَّيْلِ وَتَعْجِيلَ الْعِشَاءِ إلَّا أَنَّهُ يَتَحَرَّى ذَهَابَ الْحُمْرَةِ وَتَأْخِيرَ الصُّبْحِ حَتَّى لَا يَشُكَّ فِي الْفَجْرِ ثُمَّ إنْ وَقَعَتْ صَلَاتُهُ فِي الْوَقْتِ، أَوْ بَعْدَهُ فَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ وَقَعَتْ قَبْلَهُ قَضَاهُ كَالِاجْتِهَادِ فِي طَلَبِ شَهْرِ رَمَضَانَ انْتَهَى.

وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ صَاحِبُ الطِّرَازِ إذَا حَصَلَ الْغَيْمُ أَخَّرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ، وَلَا يُكْتَفَى بِالظَّنِّ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ، وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْيَقِينِ مُمْكِنٌ فِي الْوَقْتِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا فِي الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيدُ بَيَانٍ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ شَكَّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>